top of page

في قوله تعالى (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)

  • Writer: محمد شحاته حسين "محمد العريان"
    محمد شحاته حسين "محمد العريان"
  • Jun 5, 2021
  • 6 min read

لا يفتر الإنسان منا عن ذكر مثالب وعيوب الناس، حتى دون داع لهذا الذكر، والذي يكون عادة من باب مسايرة الكلام والإتيان بالأحاديث والقصص والمحكيات.

وقد جاء القرآن الكريم محذرا الناس من هذا الفعل في خطاب عام يمكن أن نخصص منه على قدر ما يتفق مع ما نقصده وما تقصده الآية فإنا من القائلين بأن للقرآن منازل، وليس الأخذ بآية لموقف بعينه يحصرها عليه.

قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)

ولعل ما يثير الذهن في هذه الآية الكريمة من سورة الحجرات ذكر خبر (أكل لحم الموتى).

وقبل أن نستطرد في قصدنا نقول:

وضحت الآية أن المؤمنين إخوة. فقال (يا أيها الذين آمنوا .. بعضكم بعضا..لحم أخيه). وهذا موافق لقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) في نفس السورة.


نقول :

عرفت الكثير من الشعوب والقبائل عادة أكل لحم البشر لأسباب مختلفة نسوق منها بعضها من خلال بحوث الإنثربيولوجيا التي فتشت في عادات الشعوب وخرجت للبشرية بمعلومات هامة :

1: أكل لحم البشر غرض التقوي.

2: أكل لحم البشر غرض اكتساب عادات بعينها من الجثة.كأن يأكل أنفها ليكون أنفه جميل مثلها أو يأكل فخذه ليكون فخذه قوي مثله.

3:أكل لحم البشر غرض التشفي والإنتقام. وفي ذلك محاولة لتحويل لحم الميت إلى فضلات. بعد شعور المنتقم بنشوة جراء ابتلاعه لحم عدوه الميت. وهذه من الطباع الحيوانية التي قد تتغلب على البشر في عدة أشكال وصور ومن أبسطها العض على الشفاة عند الحنق والشعور بالغيظ.

4: أكل لحم البشري الميت غرض الإلتحام به وأن يكون جزء منه ملازما جسده دائما.

5: أكل اللحم البشري لأغراض سحرية وطقوسية شيطانية.


وبالطبع كان العرب من تلك الشعوب والقبائل التي مارست بشكل محدود هذه العادات السابقة لأغراضها المختلفة ولا أدل على ذلك من حداثة هند بنت عتبة وما فعلته بكبد حمزة بن عبدالمطلب عليه السلام. إذ مضغتها ولم تستطع بلعها.


فأكل أجزاء من جسم الميت له دلالات ماورائية مختلفة يطول شرحها . والعجيب أن النية لها في ذلك فعل كبير.

وإننا إذ قرأنا عن النية وجدنا كثيرون عاجزون عن تفسيرها وفائدتها نقول :

أن النية من فوائدها تهيئة الجسم لفعل بعينه. فيتجهز المخ والجهاز العصبي للفعل الذي نوى الفاعل فعله . وبالطبع يتبع ذلك تغيرات في الجهاز العصبي والعقلي واستعداد . وإننا إذ تعودنا التمثيل في مقالاتنا العامة بأبسط الأمثلة فإننا نضرب مثالا بالليمون. فلو أخبرنا أحدهم أنه سيأكل ليمونة وأعطيناه بالفعل ليمونة فإن سيبدي امتعاضا تلقائيا يظهر في تغير عضلات فكيه ووجهه وما يتبع ذلك من بقية التغيرات في جسمه فيأكلها على عكس ما لو أكلها فجأة دون أن يعرف فيصيبه إزعاج بالغ. فلعابه لم يكن متجهزا لتلقي هذه الصدمة. ومن المعلوم أن الجسم يزيد من نسبة اللعاب في الفم عندما يريد الفاعل أكل شيء حامض مثلا.

أي أن البرمجة العصبية لها تأثير في النية وفعلها. فلا يمكن تجهيز إنسان التجهيز المناسب إن لم نخبره بما سوف يحدث. وهذا معلوم لدى غالبية البشر.


ونفس الأمر ينطبق على توجيه النية في الفعل. كالذبح لله والذبح لغير الله. فالفعل واحد لكن النية (التجهز) مختلف مما يكون له أثر مغاير.

وإدراكا منا أن الإنسان ليس وحدة منفصلة عن محيطه وإن جهل ذلك. فإن نية المرء تتعدى حيز جسمه. وهذا ما سماه بعض العلماء قديما بالقوة النفسية. أو قوة التأثير. ومن صورها المحسوسة تحريك الأشياء عن بعد بالإرادة وما إلى ذلك من أمور تبدو كخوارق إلا أن لها أسبابها العلمية وإن جهلناها.

كما يحدث جراء الحسد، أو ما يحاول البعض تسميته بالطاقات السلبية وأنواعها المختلفة. وهذا مشعور به محسوس وملموس التأثير عبر تاريخنا البشري.

فقد يأكل الإنسان جزءا من ميت وهو ينوي التقوي بهذا الجزء كأن يأكل ذراع مصارع قوي وقد ينوي التشفي والإنتقام كأن يأكل نفس الذراع. والنية أو الدافع مختلف.


وبمعرفتنا بكثير مما توصلت إليه البحوث من جراء التقارب الجيني . كزواج الأقارب.وخاصة زواج الإخوةكما كان يحدث في بعض الشعوب. فإن أكل لحم الأخ أشد خطورة من أكل لحم غير الأخ.

غير أننا نواجه إشكالية سنبين حلها.

إن الآية تتحدث عن أخوة غير جينية إنما أخوة عقائدية /فكرية. فهل لها نفس التأثير؟

إن الآية تكشف لنا مبحثا كبيرا ولأننا لا نملك العلم الكافي ولا المعدات، لذلك فإننا نكتفي بتوضيح المعنى لعل من الباحثين من يبحث هذا الأمر في بحوثه العلمية.

إن الإخوة الفكرية لها تأثير على الجينات. أي أن الفكر يغير التركيبة البدنية للإنسان. وكعادتنا نقول : كما أن السلوك الخاطىء قد يودي بالإنسان إلى مشاكل جسدية. فإن هذا السلوك منبعه الفكر. فالفكر يحدد نوعية المشاكل التي يواجهها الإنسان. وهذا أمر يتفق عليه كافة العقلاء. فنصل إلى أن الفكر يؤثر بصبغة الإنسان . ولا يمكنني سرد مئات الأبيات الشعرية والأقوال الصوفية والفكرية التي تؤيد ما أقول. ولعل أبرزها ( العقل السليم في الجسم السليم).

ولا نعني هنا بالجسم شكله وحدوده فقط إنما تركيبه الداخلي من حيث كيمياء الجسم ومناعته وقدراته.

فإذا ما تشابه فكران فبكل تأكيد هناك تشابه ما يخص التركيب الكيميائي يحدث. فإذا ما كان شخصان يعتقدان اعتقادا واحدا فإن بكليهما متشابهات جسمانية. يقرنا على ذلك الحكماء ( لا ندخل في هذا الأمر فليس مجال مقالنا).

وإذا ما تصورنا العلمية بشكل حسابي بسيط. فإن المؤمن إن أكل مؤمنا هدم ذاته وانتكس عن إيمانه فتغير عن المؤمنين حاله فصار مكروها بينهم.

ورجوعا إلى نفس السورة سورة الحجرات نجد أمرا يأخذنا إلى مقصدنا لا نطيل على القارىء.

قال تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)

فعلمنا أن موجبات الكراهية بين المؤمنين على ثلاثة صنوف. الكفر والفسوق والعصيان.

وعليه نقول أن دوافع أكل لحم الميت تودي إلى ثلاثة إما إلى كفر أو إلى فسوق إو إلى عصيان.

ونبين أن الفرق بين الفسق والفسوق هو الإستغراق . فالفسق أمر بين واضح الحدود أما الفسوق فمتسلسل الوقوع وذلك يشبه تماما ما يحدث من تغيرات للإنسان سواء نفسية أو جسمانية فالتغير مرحلي بغض النظر عن الوقت طال أو قصر.

فإذا علم جماعة من المؤمنين أحدهم كفر أو فسق أو عصى كان بينهم مكروها.


ولعل البحوث الأنثربيولوجية سجلت أنواع مختلفة من الأمراض والأوبئة التي تصيب آكلي لحم الموتى. حتى أن بعض المتساهلين هوّن من أكل جميع أنحاء الجسد إلا المخ.

فإذا اكل أحدهم مخا بشرى فانه سوف يصاب بداء (كورو) أو مرض الضحك وهو مرض مميت ، وهو مرض قابل للإنتقال بالعدوى ويصيب المخ. وهو شبيه بمرض جنون البقر وسمى بمرض الضحك بسبب الحركات الضاحكة المندفعة التى تظهر عن المصابين وهذا ما حدث مع قبيلة الفور بمدينة (بابوا) بغينيا الجديدة فقد اعتاد أهلها أكل لحوم المتوفين من أقربائهم. وسكان تلك القبيلة هم السكان الوحيدون الذين واجهوا وباء داء الكورو. وفي ذروة الوباء في الخمسينيات من القرن الماضي، كان هذا الداء السبب الرئيسي للموت في تلك المنطقة وما حولها. ولأكل لحوم البشر أمراض عدة وأوبئة مختلفة.

فهذا المرض يصيب الإنسان بالخبال ، وهذا أفضل وصف له نستطيعه. فهو يصيب الإنسان بنوبات إرتعاش مفاجئة تظهر عليه في مشيه وحركاته وكأنه متلبس ، ولعل ذلك يشبه الآية الخاصة بوصف آكلي الربا في سورة البقرة (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) (ولهذه الآية عندنا كلام يطول ليس محله هذا المقال).

من ثم يصاب الإنسان برعشات قوية ،ونوبات من الضحك، جراء مرض كورور من ثم لا يستطيع الحركة من ثم يفقد شهيته تماما ويموت فجأة شاحبا هزيلا مجنونا.


فإذ نصل إلى أن الغيبة بين المؤمنين أو بين من يعتقدون مذهبا فكريا واحدا ، ولا نعلم فردا إلا وهو متذهب وغيره من الناس، سواء على المستوى الجسماني أو النفسي . تودي إلى تغير خطير بحاله.


ومن دقائق الآية الكريمة قوله (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) فبين أن النية بها (حب الفعل) فليس هو فعل عارض أو مجبر عليه أو لسبب يكرهه. إنما حبا في الغيبة كما يفعل غالبية الناس وتقصدا لها لأسباب المسايرة والهذر وتضييع الوقت وكسب الصحاب على حساب الصحاب.

فالنية أجزاء ولها تفصيل يطول ليس محله هنا.


فنخرج بنتيجة كلية: أن الفكر يؤثر بالتركيب الجسماني ، وأن المشتركين في فكر واحد بينهم تراكيب جسمانية متشابهة، وأن الحديث عن الغير بنية الغائب ولو كان حاضرا بالغمر واللمز له تأثير على تركيب كليهما. ففاعل الغيبة متضرر والمفعول به كذلك.

والنتيجة وإن بدت بسيطة إلا أن لها تعلقات يطول شرحها.

وأخيرا يقول الناس عند ذكر كلمة سيئة (تف من بقك).

فاللعاب الحامل للكلمة السيئة له تأثير في القائل والمقصود بالقول. وهذا رغم بساطته وإن رآه بعض المفكرين أمرا شعبيا لا قيمة له ، إلا أننا بالقراءة والتقصي في أمور كثيرة نعلم ما نقول، أن هذه العبارة (تف من بقك) لها أساس حقيقي. لا يسعنا ذكره هنا.

قال تعالى : وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)

وقال تعالى : مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)

وإن المضمضة في الوضوء من الطهارة. فاعلم وافهم.


ولا يمكن أن نشرح الآن أبعد من هذا . فكل جزء مما سبق لدينا عنه ما تفيض به كتب. إلا أن عادتنا التبسيط للوصول إلى القصد لينتفع القارىء بما قصدناه.

وللآية شروح كثيرة تفيض عندنا لا يقول أحدهم إن هذا هو كل ما قصدت الآية.


محمد شحاته حسين (محمد العريان)

مصر

2021











 
 
 

Yorumlar


bottom of page