شرح قوله (وترى الناس سكارى)
- محمد شحاته حسين "محمد العريان"
- Mar 2, 2021
- 3 min read
Updated: Mar 5, 2021
إنطلاقا من بحثي الشخصي حول القرآن الكريم، تبعا لما يتاح لي من معرفة، وإيمانا بوجوب التفكير بجدية في هذا المضمار، فالقرآن ليس حكرا، وإن جميع البشر مطالبين بالنظر فيه والتفكر والأخذ والرد حوله. ودون أن ندخل في مبررات لبحثنا ، فهذا ليس موضوعي الآن.
أقول : لما عزم المفسرون أن يجاهروا بتصوراتهم حول النص القرآني داعمين ذلك بشتى أنواع الأحاديث والقصص والمأثورات. فإن البلاغة في القرآن رغم ما قد قيل حولها، ورغم محاولات الكثيرين الدخول في مضمارها، إلا أنها في العرف التفسيري تظل زائدة وليست أصل، وإن حاول البعض إقحامها في مجال التحدي القرآني وما إلى ذلك.
تظل البلاغة إلى اليوم علم عشوائي لا يوجد له ما يحدده، ويكاد يكون التطور في علم البلاغة بطيئا إلى حد نتيقن معه أن الكلام عنها في اللغة لا يتجاوز حدود الملاحة والظرف. ويبدو أن النحو رغم استقراره النسبي إلا أنه استطاع خدمة اللغة في حدود يعرفها أصحابه.
ولست بصدد الدخول في مهاترات هجومية ودفاعية، ولقد عاهدت نفسي ألا أجادل أحدا إلا بدليل، ومن ليس معه دليل فلا مجال له عندي ليجادلني فالعمر قصير.
ومن محاولة تفهيم الناس دينهم أن القرآن لا يؤخذ مقطعة آياته، وأن إحكام الآيات أمر لابد منه. ولكم نسمع كل حين قولهم حول قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى). مستدلين بها على وجوب الأخذ بكل الآية وأن الفصل حيث لا يتم المعنى هو أمر لا يقبله المنطق.
أقول : وإن المنطق يقول أن ما جوزتم إتمامه دون دليل إلا من خارج النص المذكور (الآية بعينها) هو إدراك منقوص وضيق في تفهم اللغة. ولما لا وقد عمل بهذا المجال من غالبيتهم من غير العرب ثم سير على نهجهم. فالآية بعيدة كل البعد عن استدلالهم السقيم الذي شاع في الناس كلطيفة من لطائف اللغة تذكر في كل حين.
أقول : إن ما جاز تأكيده بالقصد، يجوز نقضه بالقصد.
ولو نظرنا في قوله (وأنتم سكارى) فإنا جوزنا معناها (في حال ما أنتم سكرانين) فذلك إستنتاج مرده خارج الآية إذ نعلم أن المؤمن تبعا لبقية النص القرآني لا يسكر، ولكي يلزموه هذا المعنى قالوا بنسخ هذه الآية بقوله (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)، وذلك بعد أن حصروا السكر على الخمر وحده، وهذا محال .
فالسكر قد يحدث لأسباب عدة غير شرب الخمر ، كسكرة الموت ، كالشعور عند ثقل بداية النوم ، كذا بعض العقاقير التي تسبب السكر بل والهلوسات. إلى آخر ما لا يمكن حصره من حالات قد يسكر فيها الإنسان بل وقد يسكر دون أن يكون غرضه السكر كأن يدس أحدهم لأحدهم مسكرا. فبطل قولهم بنسخ هذه الآية ، وليس موضوعنا الناس والمنسوخ.
إن نحن قلنا أن الفصل عند قوله (الصلاة) ثم بدأنا بقوله (وأنتم سكارى) لا يجوز لأنه يغير المعنى. فذلك يوجب أن يكون كل علم الفصل والإتصال قائم على القصدية، وهذه إشكالية لا يوجد لها ضابط لغوي، مما قد يجنح بالقرآن إلى أن يكون نص قابل للتفسير تبعا للمزاج والذائقة.
وإنهم لم يكفوا يوما عن القول بأن البلاغة ذائقة حتى ما عادت البلاغة إلا (حانة) للغة يلتزم فيها من يلتزم ويعربد فيها من يعربد فلا قانون ولا نظام.
وإن كانت البلاغة قاصرة عن تقصي المعنى بالضبط فذلك يرجع إلى كونها في حالة مشاع رغم تدارسها قرون على أيدي علماء وطلاب وغيرهم.
أقهم من قوله ( وأنتم سكارى) أنه خبر. وكأن الخطاب انتهى عند قوله (ولا تقربوا الصلاة) ثم بدأ بقوله (وأنتم سكارى) أو يتم مع بقاء الحال (أي لا تقربوا الصلاة الآن لأنكم في حال سكر) ولا يوجد مانع يمنع من الإتيان بهذا الفهم إلا من خارج الآية. ولعلمنا بأن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وغيرها من الآيات التي تحض على الصلاة.
قوله (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) فما المانع إن فهمنا بالفصل عند قوله (حملها) ليبدأ خطابا جديدا ( وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) أي أنك تراهم الآن في حال سكر وهم ليسوا كذلك، إلا أن المعنى غير ذلك.
ولا يوجد في اللغة المعلومة لدينا عنهم ما يمنع هذا الفهم .
أقول : إن صيغة فعالى هي التي أحالت إلى المستقبل. وهي الأصل الذي أحسم به المعنى. فلو قال (وأنتم سكرانون) ، (وترى الناس سكرانين وما هم بسكرانين) لكان القصد في الحاضر. ولم يكن النص إلا بصيغة فُعالى ليثبت هذا الحال المستقبلي.
وإن كان قد شاع في الناس استخدام صيغة فعالى شعرا ونثرا دون وعي منهم بهذه الخصيصة ها فقد ذكرناها.
فصيغة فعالى لا تستخدم إلا للدلالة على حال في المستقبل أو الماضي، ولو قال أحدهم (أنتم سكارى) ويقصد جماعة من الناس أمامه فهو كمن يتكلم غير العربية، أو أنه يقصد الجمع بين زمنين على طريقة ما يتوجب عليه شرحها.
فنقول لننتهي من هذا المقال " إن صيغة فعالى لا تستخدم إلا للدلالة على حال في المستقبل أوالماضي لا علاقة له بالحاضر، فهو إما حال انتهى أو حال لم يأت بعد سواء واجب الحدوث أو ممكن الحدوث"
تنويه : كل ما جاء في المقال هو من أبحاثنا، ولا سابقة له.

محمد شحاته حسين
مصر2021
Comments