top of page

شرح قوله (أن يذكر فيها اسمه)

  • Writer: محمد شحاته حسين "محمد العريان"
    محمد شحاته حسين "محمد العريان"
  • Jan 28, 2021
  • 4 min read

"ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم"


استكمالا لما ذكرناه بخصوص (أن).

فقد جاء الآية السابقة ذكرها مرتين. سابقة للفعل المضارع.

(أن يذكر) ، (أن يدخلوها). في الأولى منهما فعل مضارع مبني للمجهول.

و إذ طبقنا ما علمنا من خواص (أن) و إذ قلنا بإمكان حذفها. لنرى كيف تكون ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله يذكر فيها اسمه..) وإذ حذفنا (أن) فقد يظهر المعنى تاما لا خلل فيه إلا أن الأمر غير ذلك.

فعند تأملنا الآية نجد المنع على ثلاثة وجوه.

الوجه الأول (منع المساجد على كل حال) فتصير ( يذكر فيها اسمه) خبر عنها. أي يمنعون المساجد التي يذكر فيها اسمه.

و الوجه الثاني ( منع المساجد لا يذكر فيها اسمه) أي منع ذكر اسمه فيها مع عدم منعها أي شيء آخر كأن يكون المسجد محلا للإجتماعات و ما إلى ذلك من وظائف مختلفة إلا وظيفة أن يذكر فيها اسمه. فلم يمنعوا المسجد كفعل أو بناية (سجود أو مكان سجود) إنما منعوا أن يذكر اسمه في هذه المحال. كنسيان الذكر في السجود بسبب عارض خارجي. كأن يتسلط شيطان على إنسان ليمنعه الذكر في السجود فهو يغامر بالإقتراب من الساجد خائف منه وهو على حال الذكر ألا يصيبه من الذكر أذى. كمن يطفىء جمرة بيده.و ما إلى ذلك من أمثلة مشابهة.

والوجه الثالث (منع المساجد مطلقا كي لا يذكر فيها اسمه) فالمنع في هذه الحالة متعلق بذكر اسمه. فما منعوا المساجد إلا ليمنعوا أن يذكر فيها اسمه.

و نرى أن الإختلاف بين الوجوه بين. ففي حالتين تمنع المساجد إطلاقا وفي حال ثالث يمنع الذكر في المسجد.

فجاءت (أن) لتفيد التعلق بأن المنع المقصود هو المختص بمنع المساجد المتعلق بمنع الذكر. وهذا هو المقصود فلا ضرر في منع المساجد في الكثير من الحالات وعليه فسيمنع فيها ذكر اسمه. إلا أن هذا المنع غير متعلق بمنع الذكر فهو منع لأجل أسباب أخرى. كانتشار عصابة تقطع الطريق على الناس فيمنع الناس بعضهم من الذهاب إلى المسجد كي لا يتعرضوا لخطر ما. كانتشار وباء معد يفتك بالناس إن اجتمعوا فمنع المساجد أولى كي لا يجتمع الناس فيها فيصيبهم الوباء بضر.


فظهر أن المنع المقصود في الآية هو المنع المتعلق بمنع الذكر وهذا كما قلنا في حالين. حال المنع مطلقا لا يأتي الناس المساجد كي لا يذكر فيها اسمه والحال الثاني منع الذكر في المساجد مع عدم منع إتيانها. والحالين هما مقصد الآية. فمجيء (أن) قبل (يذكر فيها اسمه) بينت أن القصد في الآية متعلق بمنع الذكر. ثم جاء قوله (وسعى في خرابها) وتلك لتقصد حالات كثيرة أخرى. تظهر بالتفكر والتمثيل. كمن يمنع الناس مسجدا ليهدمه ليقيمه على أحسن مما كان فلا ضير في هذا السعي وليس هذا مقصد الآية. إنما السعي المقصود هو سعي التخريب.

فاستنقذت (أن) لنا المنع المقصود المتعلق بمنع الذكر من بين حالات شتى تخص المنع كان ليتوهمها الناظر في الكلام ومعانيه.


وقوله (أن يدخلوها) فلو حذفنا (أن) لصارت (أولئك ما كان لهم يدخلوها إلا خائفين) فظهرت لنا معاني مختلفة.

الوجه الأول (خوفهم خوف طبع فيهم مستقر بجبلتهم) وأن هؤلاء الذين قصدتهم الآية هكذا طبعم الخوف أبدا. وكأن الخوف طبع سابق للفعل وأن من صفات الفاعلين للمقصود أن يكونوا خائفين.

الوجه الثاني (أن الخوف تولد فيهم نتاج عملهم هذا أبدا فإن دخلوا المساجد أو غيرها ففي كل حالاتهم هم خائفون كأنه أصابهم الخوف في كل دخول كان مسجدا أو غير مسجد)

الوجه الثالث (أن خوفهم متعلق بدخول المساجد بعد فعلهم المنع والسعي في تخريبها فكلما أرادوا دخول مسجد دخلوه خائفين)

الوجه الرابع (خوفهم كلما هموا بفعل المنع و السعي في التخريب)

الوجه الخامس (التقريع) فيكون المعنى ان كيف فعلوا ذلك و أولى بهم أن لا يدخلوا المساجد إلا خائفين.

فتعلم كيف نستخلص المعنى.

نقول: إذا كان هناك مسجد وقد منعوه و سعوا في خرابه فقد خرب وما عاد مسجدا ليدخلوه بعدما فعلوا به ما فعلوا. فتنتفي كل حالات الدخول إلا عند دخولهم أول مرة فلا يترتب على فعلهم شعورهم بالخوف بعد ذلك بخصوص هذا الأمر.

أي أن حال خوفهم كان قبل ما فعلهم لتولد النية فيهم والهم بالفعل.

ولما لم تذكر الآية مسجدا واحدا وقال (مساجد) فقد يذهب المعنى إلى أنه من الممكن أن يمنع أحدهم مسجدا ويسعى في خرابه وكلما هم بعد ذلك بدخول مسجد آخر شعر بالخوف عند دخوله.

فظهر لنا بمجيء (أن) مقصود الآية بتحديد شعورهم بالخوف هو التقريع. فعدم شعورهم بالخوف هو المقصود بالآية.

(ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات و الأرض..)

نقول

إن الفصل والوصل في القراءة يترتب عليه توجيه للمعنى . فلو وقفنا عند قوله (ماكان لهم أن يدخلوها) لكان المقصود هو التقريع وفيه حث على التصدي لهؤلاء المقصودين في الآية.

فيصير قوله ابتداءا في القراءة( إلا خائفين) خبرا عن حالهم الذي هم عليه وتصير (إلا) بمعنى نفي كل حال إلا هذا الحال حال الخوف توكيدا له. أن يقال لسنا خائفين فنرد قائلين (إلا خائفين).

ولو قلنا أنه من الممكن أن يمنع المساجد و يسعى في تخريبها من لا يدخلها و لن يدخلها فلم تأتي على حاله الآية فهو ليس خائف لامتناع الدخول. فتصير (أن) تعني (في حالة ما إذا دخلوها).


"وقفة "

لم تأتي الآية على كفر هؤلاء أو وصفهم به أو بالشرك. وإنما وصفتهم بالظلم.

( إن الشرك لظلم عظيم..) إلا أن الظلم ليس بالضرورة شرك.

كذا ذكر الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة لا يعني التخليد في العذاب. فقد يُعذب ثم يطهر ثم يدخل الجنة.

وبالنظر في الآيات السابقة للآية قوله (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى..)

فنقول أن قوله ( يدخلوها) و (ها) فيها تعود إلى الجنة وعلى هذا يكون المعنى ( لا يدخلوها أي الجنة إلا خائفين). فنرجع ونقول وهل يدخل من الناس الجنة وهو خائف.

فنعود إلى القرآن فنجد قوله ( من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب. ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود)

فظهر أن لدخول الجنة حال السلام إلا أنا لا نعلم هل يمتنع دخولها بخوف أم لا ولو سقنا الفهم في الآية على ما ذكرنا لقلنا أن من الناس من يدخل الجنة خائفا.

فجاء معنى ( أن) تفيد أنه في حال دخول هؤلاء الجنة إن دخلوها فسيدخولها خائفين. فليست الآية واصفة فعلهم بالكفر فلعلهم ظلموا في هذا الفعل وعدلوا في غيره فإن كانوا استحقوا الخلود في العذاب فذلك لأسباب أخرى غير ما جاء في هذه الآية.

و إنا لنعلم من مسالكنا لدخول الجنة أحوالا ليس هذا المقال محلها ويطول ذكرها.

ويظهر لدينا أن الوقف في القراءة على قوله (ما كان لهم أن يدخلوها) مانع لدخولهم الجنة على الإطلاق والإستدراك بقوله (إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) خبر عن حالهم ومآلهم.


فيظهر لدينا أن الآية تتوعد الفاعلين هذا الفعل بالمنع من دخول الجنة إلا بخوف أو المنع من دخول المساجد إلا بخوف. وقد بينا حال الجنة وبينا حال المساجد.

و إذ شرحنا بعض ما جاء في الآية مما غفل عن الناس فإنا قصدنا فصل الخطاب فيما يخص ما ابتدأنا له المقال و إلا لطال ما لا يسعنا و إنا من المؤمنين بلا انتهاء الفائدة من آية من آيات القرآن.و ما علينا إلا تقصى الفصل حد كفاية القصد.



يستكمل..


محمد شحاته حسين

مصر

2021









 
 
 

コメント


bottom of page