شرح قوله " أعجزت أن أكون"
- محمد شحاته حسين "محمد العريان"
- Jan 14, 2021
- 4 min read
Updated: Jan 15, 2021
استكمالا لمقالاتنا السابقة حول حرف (أن) في القرآن.
قلنا أنه حرف قد يبدو لازما وقد يبدو زائدا. و بينا أنه في الحالة التي يبدو فيها زائدا فإن ذلك ما يتوهم وأنما هو أصيل في الكلام لا يتم المعنى إلا به كالأفعال و الأسماء.
قوله" فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين"
فلا ضير إن قال (أعجزت أكون) فالكلام متصل ومفهوم كذا غير خارج عن نسق الفهم العام للآية. إلا حين نعمل ما قلناه عن حرف (أن)
نجد أنها صرفت الذهن إلى معنى محدد لا لبس فيه.
فلو فرضنا أنها لم تذكر لكان من الممكن أن ينصرف الذهن إلى كونه تمنى أن يكون مثل الغراب حتى من قبله قتله أخيه فلما لم يكنه حدث ما حدث.
كقول لوط في سورة هود "قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد"
فلو حذفنا (أن) لاستمر المعنى مفهوما لكنه لم يكن يحتاج إلى القوة التي في ذهنه من قبل إنما حضر طلبها في موقفه واستمرار الآية يفيد ما ذكرنا " أو آوي إلى ركن شديد" فلو استمر المعنى على طلبه القوة مطلقا قبل موقفه هذا لكان أولى أن يقول (أو كان لي ركن شديد آوي إليه) إلى آخر ما يفيد معنى تمنيه وجود الركن قبل أن يطلبه إلا أن ذلك لم يكن.
فإنما هو يطلب القوة أو الركن الشديد لموقفه هذا لا غير في زمنه لا في زمن سابق للموقف.
كذا قوله "أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب" فهو لم يطلب أن يكون كان مثله مطلقا لهذا الموقف أو غيره إنما كان طلبه ابتداءا من حيث جهله بما يجب عليه فعله تجاه سوءة أخيه فلما رأى الغراب يبحث في الأرض أدركه علمه بعجزه منذ كان لا يدري ما الذي يتوجب عليه فعلع وصولا إلى زمن رؤيته الغراب.
وكأنه كان يبحث عن طريقة ليواري بها سوءة أخيه أو لا يدري أنه يتوجب عليه أن يواري سوءة أخيه وتلك لها شرح لاحق.
فظهر معنى حرف (أن) كما قلنا في مقالاتنا السابقة أنه استنقذ زمن التمني من المطلق إلى الحدث.
فلم يرد أن يكون مثل الغراب فيكفيه أن يكونه فما كان ليحدث هذا كله وما كان هذا مراده إنما أراد أن يكون مثل الغراب من حيث بداية أمره حين لم يكن يعلم كيف يواري سوءة أخيه أو لا يدري أنه كان يتوجب عليه أن يواري سوءة أخيه.
و إذا قيل فما الفائدة من فرط هذا التحديد كما في هذه الآية وفي الآية من سورة هود.
قلنا أنها أفادت عند لوط أنه ليس من المعترضين على انعدام القوة والركن الشديد لديه سابقا لموقفه إنما طلبه جاء على قدر حاجته. فهو الإكتفاء وهذا مسلك يعرفه من الناس من يعرفه.فلا طلب إلا لحاجة لازمة. والكلام في هذا المسلك يطول. بل وقد حسبوا قول لوط عليه لا له حين أولوا الركن الشديد (بكيف والله معه وهو نبي ويقول هذا القول ولم يرعوي عنه وهو نبي). وكأن لو نبي طلب سيفا ليقاتل لقالوا كيف وهو نبي أما كفاه الله فلم يريد السيف.
و أما في الآية الخاصة بالغراب فقد دل انتقال الزمن على حال القاتل ولو أخذنا الآية بتفاسير الكثيرين من أن الله بعث غرابين يتقاتلا حتى قتل أحدهما الآخر ثم أخذ يبحث في الأرض ليدفنه فهذا محض هراء لا نقره. فالآية واضحة ولا مجال لحبك قصص يخفي من المعاني أكثر ما يظهر هذا غير تقول تلك القصص على القرآن ما ليس فيه ولا أعلم من أين جاءت كل هذه القصص التي تحيط بالقرآن إحاطة العدو المتربص بمعانيه.
فلو كان الأمر كما قالوا لما كانت الآية لتقول "فأصبح من النادمين" ولقال (وأصبح من النادمين).
إنما الفاء أفادت أنه أصبح من النادمين لما حدث أمامه ولم يكن من قبل نادما. وإنما سخافة القصص إذ صدقنا بها لقلنا أنه ندم على نفسه لأنه لم يكن يدري ماذا يفعل بسوءة أخيه وما ضره إن لم يندم على قتله أيضره عدم قدرته على مواراة سوءة أخيه.
فيظهر لنا أنه أصبح من النادمين لتحققه من قدر جريمته و أنه ما كان عليه أن يقتله أصلا. وتبدى له هذا المعنى من رؤيته الغراب يبحث في الأرض. ولم يقل يحفر في الأرض أو يحفر الأرض. ليريه أنه ليس كل مكان يصلح للدفن أصلا.
وقوله "فأصبح" ولم يندم من وقتها. ذلك لما اعتمل فيه من أفكار كان بدايتها شعوره بما كان عليه من العجز.
وهنا أمر نكشف عنه قال " يا ويلتا" ولم يقل (يا ويلي) فهذه تثنية وليست إفراد ونستدل على ذلك بقول زوج إبراهيم "يا ويلتا أألد و أنا عجوز وهذا بعلي شيخا.." فهناك سببان سبب أنها عجوز وسبب أن بعلها شيخ فإذا ما تأملنا قولها لرأينا أنها لا تخاف فقط كونها عجوز فهذا شأنها وحدها و إنما أشارت أيضا إلى بعلها.
وهذه الألف في (ويلتا) اختلفوا فيها بين قائل بحقيقتها وبين قائل بأنها ندبة. وهذا قول لا نقره ولا نفيد منه شيئا إنما هي (ألف التثنية). و إلا للزم أن تكون التاء زائدة ليستقيم لهم تفسيرهم لها. وقد ملأوا القرآن زيادات كلما حرفوا معنى أو غاب عنهم.
فيظهر أنه حين قال "يا ويلتا" قصد الأمرين قتله أخيه وعجزه عن مواراة سوءة أخيه حتى رأى الغراب.
نقول أنه كان لا يدري أنه يتوجب عليه مواراة سوءة أخيه. فعجزه ليس عن كيفية مواراة سوءة أخيه وإلا لقال (لأواري سوءة أخي) فتكون اللام بخصوص كيفية مواراة السوءة و أنه يعلم أنه يتوجب عليه فعل المواراة.
لكن الفاء أفادت أنه لا علم له بما يتوجب عليه فعله أصلا.
وللمقالات بقية..
محمد شحاته حسين
مصر 2021

コメント