رجم الفجر المجيد (أنا ونيتشه)
- محمد شحاته حسين "محمد العريان"
- Jul 17, 2021
- 4 min read
حين يجنح الإنسان إلى الحديث عن الإحتمالية، وأنه ما من شيء حقيقي ، فلا مانع عنده أن يضرب مثلا بمخطوط لرواية عُثر عليه في قشرة جوز.
إنني لن أكتب عن انتصاراتي وحسب، بل أكتب عن ما أود الإنتصار عليه، وحقيقة لا أعرف ما معنى الإنتصار. فعلى المرء ألا يتكلم إلا عما يعرفه، وإذ يظن البعض أن كل شيء نسبي، وعليه فكل شيء غير حقيقي ، فهذه عبارة تعسفية، أخذ من النسبية مدخلا إلى النفي على الإطلاق. وأن تظل الأمور معلقة على أرجوحة العقل العميق.
وإذا ما كان الإنسان يظن نفسه من حقه أن يحتكر السلطة ، ويتبادل تراشق النظرات بينه وبين من لديه سلطة مثله، فما أحقر الإنسان.
بمشاعره العدائية الكامنة، تلك الحالة الآدمية مختلطة بقصة الإخوين، التي قتل فيها أحدهما الآخر.
لعل عقولنا تشبه هاتين الحالتين، فهذا الديالكتيك القديم بين القاتل والمقتول. بين سخط القاتل ونقمته وبين استسلام القتيل ورضوخه. وندم القاتل فيما بعد. وكأن الفكرة التي تنتصر ظلما هي حقا لم تنتصر مادام يلازمها الشقاء.
بعيدا عن جراب القصص. الذي كما قيل لعل بداخله إله صغير لطيف، فإنني أقول أن بعض أجربة هؤلاء المدعين بها آلهة صغيرة غاضبة كعقلة الإصبع. ترسل غضبها ولعناتها متجاوزة غلاف الجراب لتصيب من يزعج حاملها.
ما أضعف العقل المخنث حين يظن أن الحقيقة نسبية، إذ تخلى عن دلالة معرفته لصالح الضياع. مثله كمثل من ترك بيته على وعد بأن يُبنى له بيت أجمل منه، فإذ به يجول في الشوارع نهارا وينام على أرصفتها ليلا.
إننا نقرأ ونستمع كثيرا إلى أحاديث الضائعين، وكل منهم يدعي أنه جوال يصاحب ظله. إن هؤلاء التائهون يريدون الجميع أن يغادروا بيوتهم. وهذا هو بالضبط ما سأقوله.
إن الحضارات ظنية، قامت على الظن، إن الظن إن لم يتحول إلى حقيقة بأي شكل فلن تُبنى حضارة ولن تكون.
وإنني أفاجيء الذين يدعون النسبية العقلية التي أحالت كل شيء إلى اللايقين. بأنهم هم أنفسهم ياعتقادهم اللايقين لديهم يقين باللايقين.
إن هذا الإيمان باللاإيمان كان أولى به أن يتحول إلى اللا إيمان باللاإيمان.
إننا لا نعرف كيف وُجدت السلطة فينا. ومهما كانت ماهيتها هذه السلطة فإننا نسعى إليها بين متفائيلن ومتشائمين مدفوعين بتجارب ناقصة ومعلومات يغلب عليها الجهل. إن كانت خاطئة أم صحيحة!
إننا على محك المعرفة دائما. ننظر في الهاوية، كثير منا شعر بالدوار وسقط. وهؤلاء الساقطون بالطبع قد تحولوا في قاع العقل حيث تقبع الأنثى الخالدة إلى نداهات شبحية، أرواح شريرة تطلب منا السقوط لنتبعها.
إن ما يكون يقينا لطالما كان محاطا بالشكوك. وإني وإن بقيت على قمة جبلي الصخري العالي فإني كالنسر الجريح. الذي ينتظر الشفاء ليحلق فوق آفاق الساقطين.
فالبقاء على قمة جبل اليقين محاطا بالشكوك ممل باعث للملل. وحدهم المصابون بالذي لا أعلمه يبقون هناك ناظرين إلى الأعلى حتى الموت.
قالوا " لا يصل من التفت". لعل أعينهم في اتجاه الشمس قد طُهيت كالمحار في مياه البحرالتي ضربتها رياح ساخنة، لكنهم يكتسبون قوتهم وجبروتهم من إعجاب بعض الساقطين بهم.
حقيقة لا يعني لي ما يشعرون به، ولا من أين يكتسبون المجد الأخرق للبقاء ثابتين.إلا أنني أفضل أن أكون إنسانا على أن أكون نسرا. ولا يملك الإنسان أجنحة ليطير. عليه أن يهبط من أعلى الجبل ليمشي بين الساقطين.
سواء أحببت الهبوط أم لم أحبه، هكذا وجدت نفسي بين الساقطين. ووجدت أن وحدهم الحمقى من يظنون أن لديهم اليقين الخالص، وحقيقة لا أعلم ما الحماقة عند هذا الحد. لعلني أحمق إذ أظن أن هنالك حمقى غيري.
إلا أنني أقول " ولمَ لا؟"
إنني لا أعرف متى ولا كيف أضعت الطريق، وكل ما أعرفه أنني هنا، ومن هنا سأبدأ.
قاهرا شعوري الخفي، مستخدما تلك الألفاظ الجبروتية للحفاظ على ما لا أعلم ما أنا هو عليه. متغلبا على الريبة والشك تجاه ذاتي، التي آمنت أنني لا أعرف ماهيتها. وأن ما بذلته من كذب ورياء ونفاق في حياتي التي تُعد بالسنين والأيام كان خسارة فيها.
وقد علمت أنني أمضيت حياتي بلا مهمة، وأن كل مهمة كنت فيها هي مهمة صنعتها وصنعتها الظروف، وإن مشيئتي فيها كانت رهن الإدعاء والتخييل.
كنت راجما بالغيب ، وإني لا أعرف كيف أستخلص مهمتي التي أنا من أجلها وُجدت. وأيا كانت رفعة منزلتي في هواي وتصوري، فإنني سأحط منها. وسأنال من الطاغية الذي تحكم بي من داخلي. وسأهينه انتقاما خالدا لروحي التي لا أغرف هي الأخرى ماهيتها.
ولا أعرف لما يتوجب علي الإنتقام لها، إلا ظني أنها هي أنا الحقيقي الخالد. الذي لا يجب لعوارض الزمن أن تنال منها.
ها ويالا البؤس، هل الروح مذكرة أم مؤنثة.
لست في انتظار أحد أدعياء معرفة اللغة أن يقول لي ما أريد. وحدي سأعرف. ويالا البؤس، ما كان وحدي فوحدي بلا معرفة.
إننا نواجه ركاما من معرفة السابقين، ولا يمكن الإتصال بالمعرفة إلا من خلال العارفين.
أتراني أتصور أن أطرق سكك النّساك؟! حاملا سوط حاضري باحثا عن ظهر ماضيا واعدا مستقبلي بالطهارة والنقاء؟
أعلم أن هناك شيئا يتوجب علي أن أهزمه، ويالا بؤسي أن أتصور ذلك، وأخشى أن أحمل مسدسي منطلقا في الغابة حتى أصل إلى كهف المرايا وأحطمها كلها. وإذ على طريق الدليل، ويالابؤسي، قد لا يكفي ما لدي من الرصاص ما هناك من مرايا وأبقى أراني، متجها نحوها راكلا كل مرآة أراني. وأخشى أن لا تنتهي تلك المرايا من فرط كثرتها ، وأخشى أن حين أقرر العودة لا أرى الدرب التي جئت منها.
ما الذي أنا فيه من تيه حتى أخشى التيه المتخيل؟
إن تيها أنا فيه خير من تيه لا أعلمه! ويالها من حكمة تطرب النفس المخنثة الحالمة بأقوال مستدعاة من وحي اللامعرفة.
وإلى ذلك الحين سأظهر نفسي كما أرى الناس، وأعلم أنه ما من إنسان يسعى لتقليد الناس إلا أنه يخفي في نفسه ما قد هو لا يعلمه.
إن هناك معرفة لا نعرف أننا نعرفها. هي التي تتحكم بنا، وتفعل بنا الأعاجيب. وهيهات أن تجد إنسانا وحده يعرف كل ما يعرفه، إن كنا نتحدث عن إنسان.
إن النسبية تتحطم حين نتفق على أننا نقصد بالإنسان من يشبهونا. ويالا التماثيل التي تشبهنا.
حقيقة إنني منهك بجراحي، ولعل جراحي أنهكها اتهامي الكاذب لها.
وإنني سأتواضع وسأتخلى قليلا وأنا فوق قمة جبلي الصخري عن النيل من الكلمات، وسأجعل من نفسي مًتَّهما، لعلني أنهكت الجراح.
وعلى آخر الدفق المغزلي، وإنني في شك من كل وصف أقول ، إن كان الإنسان استثناءا فعليه أن يبرر هذا الإستثناء. هذا الشقاء.
يستحدث...
محمد شحاته حسين (محمد العريان)
كاتب وشاعر مصري ولد عام 1984 في صعيد مصر.له العديد من الأعمال الأدبية والسياسية المنشورة في مختلف الصحف المصرية والعربية.

Comments