العقل الزاحف (ملايين السنين خارج الرأس)
- محمد شحاته حسين "محمد العريان"
- Aug 2, 2021
- 3 min read
Updated: Aug 10, 2021
إن حياتنا تشبه عطلة كبيرة -أجازة- عن الحياة التي يجب أن نحياها. وربما غياب بلا إذن ولا مذكرة إخطار أيام وسنين كاملة. وفي النهاية نطالب يمكافأة نهاية الخدمة. و طلب الراحة.
ويعضنا يتبرع بخبرته الطويلة ليخبرنا عن كيف تمر أيام العمل الجبارة، الحياة الملآنة وكيف نحياها سالمين.
تعددت أولويات مطالب البشر في الحياة. ولا يعني لنا إلا أن يعرف كل واحد منا ما الذي يوليه.
إن الرخو. عنيد جدا، ولزج، ولا يقبل المساومة، فهو منزوع عن حواسه، في حالة من الطغيان، حالة شعور بأننا سلبناه قوته وأدوات معرفته، وعليه أن يواجه الحياة وحده.
في النهار تسطع الشمس على ظهره، وبالليل تكاد أنوار النجوم تخترق جسمه اللزج.
النجم القريب القوي يترك أثرا كبيرا و والنجم البعيد يترك أثرا صغيرا. وهكذا حتى تكاد لوحة من الغوامق والفواتح اللونية تتكون على جسمه.
و إذ به لا يدرك الحياة كما كان يدركها، لقد أصابه الشعور باللامعرفو بما يحدث.
طور الغيبوبة.
هو الآن لا يشعر، يمضي يتحرق كأنه يمضي على أرض جيرية عاريا متعرقا بلزوجته، ويكاد يحترق.
ربما قبل أن يدرك ما هو فيه يحترق بعضه، ربما كله. وينتهي كبقعة بزاق ملونة كبيرة على الأرض. أو يجف ويضمر ليصير كقطعة جلد جافة ليكسرها ويفتتها الوجود.
بينما الحواس في الجمجمة قد ضمرت أنابيبها والتفت ويبست كفروع صغيرة قديمة.
ربما أول ما سيشعر به الليل والنهار. وسيحاول أن يجد أي طريقة ليرى ما حوله. ليرى فوقه. ربما تنبت له حواس بصرية في ظهره فلا يرى إلا السماء.
ربما حواس مثالية كأفضل حواس شخص منا، وربما حواس لها حسها الخاص بها، كأن يرى السماء الزرقاء دوما رمادية.
طور الوعي
ها قد بدأ يشعر، لعل حنينه تجاه شيء ما وأن الحياة بهذا الشكل لا تصلح له أوجدا داخله غربة وخواء. وأن سعيه في الوجود لابد ان يكون سعيا لإنهاء هذا الوضع، وعودة إلى الوضع الأول ليأخذ مكانه في جمجمة ممسكا بحواسه.
فكل حاسة هو فيها أصلية كانت أو مجازية هي ليست وضعها التي كانت فيه، لكنه لا يعلم ذلك. ويبقى داخله شعور ما بوجوب العودة.
قست بطنه، وظهره صار أكثر جلدية من مجرد كونه لزج طري. وبدا وكأن بطنه تتحول إلى قدم وظهره إلى درع.
وشعر براحة إذ حدث هذا له، فلم يعد يتحرق أكثر مما كان يتحرق، كذا صار يزحف بسهولة أكبر فلم يعد يلتصق بالأشياء أكثر مما كان لما كان لزجا.
الصيرورة
صار يشعر أنه كائن وحده، مستقل عن أي كيان من حوله، صار يعرف ان ما يلتصق به أكثر فذلك لأن به من الخواص ما كان يشبهه يوم كانت بطنه لزجة كلها لم تتيبس.
فما كان يشبهني يلتصق بي وما هو مثلي الآن لا يلتصق.
تراكم المعرفة
لقد بدأ يعرف بمقارنات بدائية ما هو عليه، لقد صار يملأ الخواء بأحداث وجوده الذي هو فيه.
وصارت عبارة "ما كان يشبهني يلتصق بي وما هو مثلي الآن لا يلتصق." تتكرر فيه كلما زحف.
لكنه لا يتذكر متى أول مرة زحف ولماذا،. لقد صار يفكر بالدافع للحركة. لعله شعور ما يريده يملأ خواءه. فهو إن مر على بعض الأشياء شعر براحة، وإن مر على غيرها شعر بأنه يحتاج إلى أن يزحف مبتعدا.
مرت مليون سنة
مازال يزحف، ويزحف، إلا أن شكله صار مختفا عن ما كان أول ما خرج من الجمجمة. صار أصغر بكثير، وصار يزحف أسرع. ولم يعد يتوقف كثيرا بالأيام ولا السنين. بل صار يزحف بشكل مستمر لفترات طويلة.
نزل المطر، دخل في حرج شجري، وكأنه يحتمي به. كذا صار يقترب من برك الماء، ويمد جسمه اللزج، وكأنه ينديه، كأنه يمتص الماء، ليشربه.
مرت مليون سنة
هو الآن به عدة فتحات، وكأن مكانها تشقق رغما عنه. لقد صنعت الحاجة طريقها للإشباع. كذا صار ما يمكن أن نحسبه فمه يخرج ما نحسبه صوتا.
مرت مليون سنة
صار يظهر في أوقات بعينها ويدخل الأحراج في أوقات أخرى، صار يظهر كثيرا نهارا، ولا يكاد يظهر ليلا.
رغم أنه أخذ فترة طويلة يفعل العكس، وكأنه مر بمرحلة خفاشية، إلا أنه صار يفعل العكس.
مرت مليون سنة
صار يزحف أسرع، وكأن لديه أقدام كثيرة جدا صغيرة تحت بطنه، وكأنت قد بدأت بشكل شعيرات لزجة أنبوبية ترتمي تحت بطنه كلما زحف، وكانت تؤلمه، لكنه تعود أن يحاول الإستناد عليها، وتحريكها، وقد نجح في ذلك، وصار يستخدمها تارة ويزحف بها تارة، حتى صار كلما أراد ان يزحف وجدها تتحرك.
مرت مليون سنة
صار شكله عجيبا، لونه الآن يقترب من الرمادية وبه بقع غامقة وفاتحة ما تبقى من احساسه بالنجوم. وصار أقدامه أكبر وأطول و أقل عددا بكثير. وصارت فتحاته أكثر وضوحا، وصار يلتقم الأشياء التقاما، بل وصار لديه عادات غير ثابتة، كأن يلتصق بجذع شجرة مخدوشة ليمتص سائلها.
مرت مليون سنة
صار يصدر أصواتا بشكل أعلى، كذا صار يصدر نفس الصوت كلما مر بنفس الشيء، وكأنه أعطى بعض الموجودات من حوله أصواتا، أسماءا.
يستكمل
محمد شحاته حسين (محمد العريان)

Comentarios