العقل الزاحف (خطف القرود)
- محمد شحاته حسين "محمد العريان"
- Aug 2, 2021
- 4 min read
مرت ملايين السنين. صار للعقل الزاحف أقداما أقوى وأصغر، إلا أنه بدا وكأنه يزحف، فهي لا تحمله بشكل كاف.
وظهر من أعلى رأسه ما يشبه قرنين رماديين، وإلى جانب ما يبدو وكأنه بروز فموي ظهرت له عينان كانتا بسيطتين كنقطتين لامعتين. وإلى جوارهما ما يشبه فتحتين للسمع.
لكن كان اعتماده الأكبر على جسمه اللزج كله. وقد تعلم الحيل، فأثناء تخبطه في الأحراج، وصل إلى ما بدا وكأنه رواسب ملحية كبريتية. وما إن مر عليها أفرز الكثير من اللزوجة، مما صنع غلافا كان هو داخله يزحف منسلخا عنه. لقد استطاع أن يهرب من الملح الكبريتي الذي لو اخترق جسمه لأحرقه.
كان جسمه به الكثير من النتوءات. فقد تعرض كثيرا لهجمات الطيور، التي كانت تغرز مناقيرها في جسمه الرخو. بل إن أحد الطيور من ملايين السنين استطاع أن يحمله بمنقاره الكبير، ووضعه في عشه ليلتهمه فراخه، الذين راحوا يعملون مناقيرهم الصغيرة في جسمه، ومن حسن حظه أنه في تقلبه استطاع أن يسقط من أعلى العش مرتطما بكومة من الحشائش التي منعت قتله. لكنه بقي في ذلك المكان ما يقارب مليون سنة لا يتحرك. حتى ظهر النمل، الذي حاول أن يأكل من جسمه، ولكن لم يستطع، فقد تحول إلى ما يشبه حجرا صغيرا، إلا أنه كان مازال حيا رخوا داخل غلافه المتحجر. ولو حدث وكان هناك ثقب واحد لأكله النمل أو لقضت عليه مختلف الهوام.
وكل هذه الملايين من السنين، إلا أنه في أواخرها استطاع أن يصنع لنفسه ما يشبه البيت. كان جحرا صغيرا يشبه الجمجمة.
وفي ذلك الطور بدا وكأن رأسا قد تشكل له بكافة تفاصيله، من عينين بسيطتين، وفتحتي أذن، وكذا فتحتي تنفس. وبدا جسمه الذي كان ينتفخ ويتقلص وكأنه يتنفس أقل حركة مما كان عليه. فقد قلت هذه الحركة منذ ظهرت فيه فتحتا التنفس.
وكان إذا صنع جحرا مكث في حوله سنين قليلة، من ثم لا يلبث أن يغادر ويحفر بجسمه في أي تربة طرية أو طينية جحرا جديدا.
العقل والثعبان
كانت ليلة مليئة بالرعد، والبرق ينير السماء بقسوة كل حين. وبينما المطر ينهمر بقسوة تارة ويخف تارة. إذ بالعقل وهو في جحره ككتلة لزجة تلمع كلما التمع البرق. إذ يفاجئه ثعبان رأسه كحجم العقل تماما. كان الثعبان قد كشف عن جحر العقل، ولأول مرة يمكن أن نقول أن العقل بدأت لديه عوامل الفزع. فقد صار ينزف مخاطا لزجا من حول جسمه كله. وصار يلتف إلى الوراء محاولا الدخول في أعمق أجزاء جحره. كانت عينا الثعبان الصفراوتان المقسمتان باللون الأسود تنظران بقسوة بدائية تجاهه، بينما لسانه يتحرك بسرعة يتلمس جسم العقل، الذي كان يتحرك بسرعة متقلبا محاولا إيجاد أي مخرج داخل جحره. وما إن رفع الثعبان رأسه للإنقضاض ليدخلها بسرعة داخل الجحر، حتى جاء طائر جارح وانقض بدوره على الثعبان وحمله بعيدا.
ظل العقل في جحره آلاف السنين وهو يصدر أصواتا غريبة. وبعد مليون سنة استطاع أن يحفر داخل جحره حتى صنع مخرجا للجحر ، غير المدخل الذي ربما اعتقد أن الثعبان ذلك الكائن المخيف مازال هناك.
وما إن خرج حتى كان كل شيء من حوله تغير. فما هناك من غابة كثيفة ولا مياه، كان هناك رمل في كل مكان من حوله، بينما في البعيد كان البحر يهدر بقوة.ربما ان هذا هو السبب الذي جعل العقل يفرز الكثير من المخاط في المليون سنة الأخيرة. فالهواء مليء برائحة الملح والبحر.وتجربته مع الملح الكبريتي قد اعتملت فيه.
كان دفاعا وجوديا من تلقاء نفسه عن نفسه، دون أن يعرف السبب.
كان شعوره بالرمال أسفل منه شعور جديد. وكان كلما اقترب من البحر زاد جسمه من إفراز المخاط. حتى وصل إلى ماء البحر وما إن تذوق ما يحبسه ماءا يرج بالرمال. حتى صار يخرج من فمه مخاطا لم يخرج مثله من قبل.
استطاع أن يعود إلى الجحر، من المخرج الذي خرج منه، ومكث فيه ملايين السنين. كان قد تحول فيها إلى حجر، وداخله رخو يكاد ييبس.
كان يشبه حجرا رماديا في جحر. وفي ليلة شديدة المطر. استطاع الماء أن يتسرب إلى الجحر الذي ردمته الرياح والرمال والأتربة. وشعر بالحياة من جديد.
الإفاقة
دبت الحياة في العقل، الذي راح يحاول أن يصعد إلى أعلى مخترقا الرمال والأتربة. وفي الصباح، كان قد وصل إلى سطح الأرض.
كانت الغابة قد عادت من جديد، كثيفة خضراء غامقة، تكاد أشعة الشمس لا تدخل من بين أغصانها وأوراقها الكثيفة.
استطاع العقل أن يلتهم بعض بتلات الزهور، والثمار المتخمرة الساقطة، كان ضامرا جدا وصغيرا، إلا أنه بعد مئات السنين صار ممتلئا كما كان.
وفي بركة صغيرة ، كان فرع مثقلا بالثمار قد سقط على حوافها، مختلطا بالطين. ولظروف ما تحول هذا الماء إلى منقوع ثمري شديد الحلاوة. كان مغذيا منعشا، وعلى جانب هذه البركة صنع العقل له جحرا، ومكث.
كان يخرج ليلا، لآلاف السنين يبحث عن مثل هذا السائل الذي كان يشعره بالراحة من شقاء الزحف إن شربه أو تمرغ فيه.
حتى وصل إلى بركة كبيرة، وظن أنه من الممكن أن يكون بها مثل هذا السائل، لكن ربما لم يظن ذلك أبدا، ربما كان يفعل ما يمكنه فعله وحسب، دون حساب لأي شيء قد يكون.
ولأول مرة رأى أجساما لامعة تقفز من البركة وتعود فيها. كانت أسماكا صغيرة بألوان معدنية. ربما بدت في عينيه الصغيرتين كشرائط ضوئية صغيرة تظهر وتختفي.
كان يبدو وكأنه ينظر ببطء من حوله. واستقر هناك ملايين السنين. صار بصره فيها أكثر حدة، وقدرة على تحديد الأجسام.
كذا سمعه صار مرهفا، فكثيرا ما كان يزحف عائدا إلى جحره، إذا ما كان هناك صوت يحرفش بجواره في الأحراج.
العقل والقرود.
كانت ظهيرة حارة رطبة. وكانت القردة في تلك المنطقة أكثر ما ينتابها النوم في تلك الأوقات، إلا أن هناك قرد استطاع أن يلمح العقل الزاحف. وما هي إلا لحظات قليلة، حتى كان القرد يقفز بين أغصان الأشجار العالية وهو يحمل العقل تحت ذراعه.
وبدأت القرود تستيقظ لتطارد القرد، وفي تلك الأثناء كان العقل قد بدأ شعر بالدوار، فلم يحدث له هذا الأمر من قبل.
بدا قردا سخيفا، كلما وقف نظر إلى العقل وهو يقهقه مبرزا أسنانه، وهو معلق على حبال اللبلاب الذي يمسك بالأشجار الكثيفة، وكأنه يغيظ بقية القرود. كان سعيدا بما وجده.
وبدأ العقل يفرز مخاطا لزجا يحاول التملص من ذراع القرد. الذي نقل العقل إلى يده الثانية من فوره ، وراح ينفض الأولى ويمسحها بجسمه.
وفي النهاية ألقى بالعقل ليرتطم بجذع شجرة عملاق على مقربة من الأرض. ونزل ليبحث عنه ، ولم يستطع أن يعثر عليه. وراحت القردة تطارد بعضها.
مكث العقل مليون سنة تقريبا وهو في غيبوبة.
حتى أفاق
يستكمل
محمد شحاته حسين (محمد العريان)

コメント