top of page

العقل الزاحف

  • Writer: محمد شحاته حسين "محمد العريان"
    محمد شحاته حسين "محمد العريان"
  • Aug 1, 2021
  • 4 min read





السعادة البرية


إن السعادة التي نسميها سعادة أيها الإنسان إنما هي شعور مركب.

وهذا لجد أمر يحتاج إلى تحقق وقدم في التفكير.

فإننا نشعر بالسعادة إذا ما انتهينا من قضاء واجب كنا ملزمين به!

بعضنا يخبرنا أنه يشعر بالسعادة لأنه قضى التزاما كان عليه. كالتزامات دينية او اجتماعية. وبعضنا يشعرنا أنه حصل عليها نتاج حصوله على هدف كان يريد تحقيقه.

وعلى كل حال فإن السعادة تترتب على حدوث أمر يراه الإنسان في صالحه.

ومدى أهمية هذا الأمر عنده هو ما يحدد سعادته.

أي أن السعادة وليدة الأهداف سواء المنتظرة أو غير المنتظرة.

لذا فإن السعادة دون أهداف قلما تكون إذا ما فقدنا الإنسان أهدافه. إلى أننا نجد أحيانا من يشعر بالسعادة نتيجة تحقيقه أهداف اعتيادية رخيصة ما كان يتوقعها لولا ظروفه الخاصة، كأن يشعر بالسعادة لأنه قضى حاجته دون ضجر في حمام نظيف داخل سجن


فإذا أردنا ما الذي قد يسعد الإنسان إذا فقد كل معرفة بأهداف مكتسبة في حياته، لوجدنا أن سقف شروطها ينزل من سماوات الغيب حتى يصير أقرب متوقع قد يسبب له السعادة. كأن يحصل على الطعام. فقط الطعام دون نوعه جيد أم رديء، قد يشعره بالسعادة. كأن يكون في مجاعة واستطاع خلالها أن يجد ما يأكله.


إن السعادة وليدة الظروف والأهداف. و إذا ما كانت السعادة كذلك فإن ما نعتقده يؤثر بسعادتنا.فإذا ما راقب الإنسان ما يريد، لكان ذلك يؤثر بما يسعده أو يشقيه.


فسعادة الإنسان رهينة عقله، الذي يحدد كل معارف الإنسان ويفسر ما تدركه الحواس.


إلا أننا نود أن نفكر كيف هي سعادة الإنسان لو تخلى عن حواسه، إننا أقصد ماذا لو خرج العقل عاريا من عظام جمجمته السميكة ليعرف بنفسه دون الحواس ما الذي يمكن أن يكون هناك.


أشعر ان الدماغ بتلافيفه الطويلة إن خرج سيشبه الحلزون الرخو. يتحسس الأشياء كما تتحسس هذه الأشياء الوجود من حولها.


نعم ستكون حركته ثقيلة جدا في البداية، كذا لا يرى لا يسمع لا يتكلم، لقد تخلى عن حواسه كلها، وخرج يواجه وحده، خرج ليقرر كيف الوجود دون جيوشه الهائلة من الحواس. كذا خرج ليشعر لا ليقرر، فالقرار نفسه سيضع الحواس في المعادلة. ولم يخرج ليقارن بين الوجود بالحواس ودونها.


فتح الإنسان غطاء جمجمته و أمسك العقل، وتركه ليزحف أرضا. ثم عاد لينظر في الأفق.

لقد توقف، لعله لن يتحرك. لكن ها هو يزحف، لقد تحرك. ولا نعرف كم من الوقت سيبقى يفعل، حتى تتأكد له تجربة الحرية.

لعله سيشعر بالحرارة، البرد والسخونة، لعلنا بدأ يتحسس ببطنه الطوب والحجارة، بدأ يشعر بالضوء، كذا بدأ الصوت يؤثر به.

لعل روحه تبحث عن مخرج في هذه الكتلة الرخوة لتتحول إلى فم.


ترى كم من الوقت مضى حتى بدأ يشعر وحده، ربما من فوره، وربما ملايين السنين.


إن هذا العقل العنيد سيستخرج لنفسه الحواس، ستنبت له حواس أخرى. وستملؤنا الدهشة أن لديه القدرة على صنع حواس بديلة.


وهنا علينا أن نعرف.

ما هذه الحواس ، ما الذي يمكن ان يشعر به.

سنقول الحرارة، لأننا تعودنا أن الجلد يشعر بالحرارة. سنقول الضوء لأننا تعودنا أننا اغلقنا عيوننا سنشعر بالضوء من وراء جفوننا.

إننا سنحاكم حواسه الجديدة تبعا لمعرفتنا بحواسنا القديمة.

إننا نريد أن نتخلى تماما عن تجاربنا نحن، لنفهم ما الذي يمكن ان يشعر به هذا الكائن الرخو وحده دون تجاربنا وحواسنا.

كذا فإن حواسنا بعد أن خرج العقل يمكننا أن نشعر أنها ما عاد لها تأثير. فهي كجنود يرسلون رسائل لا تصل أبدا إلى قيادة غير موجودة من الأساس.


قد نفهم أن الوجود لم يعد كما كنا نعرفه، اختفت الألوان، الأصوات، إحساسنا بالوجود كما نعرفه تبدد كلية.

صار يزحف في حدود لا نعرف لماذا حُدت، وكيف. ولا يستطيع تمييز أي شيء.حتى الزمن.

وربما صار أكثر قدرة على الإحساس به.

لن نناقشه القضايا الكبيرة، فهو إن سلمنا بأن الرقي مصدره الحواس، كذلك سبب تخلفنا، فهو همجي تماما دونها.

ربما يلتف بجسمه كله حول أي شيء. ونفسر ذلك وكأنه يحاول احتواء شيء، يحاول السيطرة على شيء، ربما يحاول أن يأكل.

سنلقي عليه الماء فتنزلق من عليه من مادته اللزجة،لنصنع حوله بركة صغيرة. ربما سيحاول الزحف ناحية الأكثر ماءا أو الجهة القريبة من الأرض اليابسة وربما يتوسطن.


إننا قاصرين عن تخيل تجربة لم تخدمها حواسنا من قبل، وكل ما يمكننا قوله هو رهن تجربتنا متقولبة في لغتنا.

لغتنا التي هي أقدم منه هذا الزاحف الرخوي. فإذا به ليس سوى لغة تزيد وتنقص. حتى ولو لم نفهمها.

و إن أقصى ما يمكن أن نجرده من لغة، لنراقب كيف سيكتسب هذا القديم الرخو لغة جديدة. ربما سلوكا جديدا غيرها، سنراه يتمدد ويتقلص ويلتف. سيتحرك، ليقول في النهاية تحركت. وربما كان كله مجسا لزجا للشم.



كم تتألم تلك الزهرة التي تتمدد بقوة في الصباح ونظن أنها سعيدة بقدومه بينما هي ربما مريضة بالتشنج و تود الإنخلاع من تربتها.

إننا نفهم تبعا لرؤانا لا رؤى الأشياء.

وأخيرا يعود العقل الزاحف إلى صدفته ليدخل داخل جمجمته متسلقا وجه صاحبه، مغطيا أثناء تسلقه فمه وأنفه وعينيه، وهو مليء بالحروق والخدوش وقد أصابه الجفاف والتقرح. وكأنه حلزون كاد يشوى، ليحاول جاهدا الإتصال بحواسه، حتى إذا استقر في مكانه، وامتدت أنابيب الحواس البهيمية التي لا ترى ولا تسمع كأنها مغناطيسات العادة تسحبها نحوه كفروع لبلاب تتلوى كالديدان فتتصل بأماكنها فيه، شعر صاحبه فجأة.

فإذا به يصرخ مغشيا عليه.

نعم إنني أشعر أن صاحب هذا العقل الزاحف العائد سيشعري بالهوي والتردى منسحقا بالألم.


لقد أعطاه العقل فجأة كل دفعة الألم التي هو فيها -العقل-جراء ما كان عليه خارج الجمجمة. فإذا بصاحبنا قد اكتسب أو فقد من المعرفة، ما يجعلنا نقول بكل هدوء - وتبعا لرؤانا- لقد رأى أحلاما ونسيها.


فالأحلام المنسية لا يمكن ان تحدث دون أن تترك أثرا.


محمد شحاته حسين


محمد شحاته حسين كاتب وشاعر مصري ولد في 1984 له العديد من الأعمال الأدبية والسياسية في مختلف الصحف.









 
 
 

Comments


bottom of page