أنا ونيتشه
- محمد شحاته حسين "محمد العريان"
- Mar 2, 2021
- 12 min read
كنت قد بدأت الإعداد لمشروع مقال يطول حول مفهومي الشخصي حول بدايات العقد الإجتماعي بعنوان (الرغيف السابع). وفي خضم التوجهات الشخصية المختلفة لدى المرء مثلي

، إذ لا أدعي أن لي قدرة الصبر على التمسك بمشاريع كلية من بدايتها إلى نهايتها ، ولما أراه برأيي الشخصي هو حجب للمعرفة بشتى فروعها، حين يتسلط على الإنسان بحث واحد بعينه. وبالطبع ما أكثر التعرض للأفكار المطروحة حول العقود الإجتماعية ، ولعله ليس من السهل أن يمكن التطرق إلى مثل هذا الموضوع ببساطة دون معرفة ولو جزئية بعلوم متنوعة ، سواء تاريخ أو انثربيولوجيا أو أديان. والفلسفة بشتى مشاريعها الفكرية، كان من أهم موضوعاتها هو بدايات نشأة الفكر الإنساني.
وفي خلال القراءات المختلفة، وقعت يدي على كتاب لمؤلفه نيتشه بعنوان (أصل الأخلاق وفصلها). وقبل أن أستغرق في قرائته، تذكرت ما سبق وكنت أعددته.
يسأل نيتشه بعد رحلة قصيرة من تمجيد ذاته عن أصل الأخلاق، مستجمعا عدة أراء من ثم أخذ يطرح رأيه. وإني لتعجبني منه مقولة " ولو كان من الجائز أن يعرب المرء عن أمنيته، عندما تتعذر عليه المعرفة، لكنت أتمنى من كل قلبي أن يكون العكس صحيحا بالنسبة لما يتعلق بهم " كان يقصد رد الهجوم على دوافع النفسانين الإنجليز عكوفهم على دراسة موضوع الأخلاق دون غيره وكيف تم وصفهم بضفادع لزجة.. تزحف وتقفز حول الإنسان. وإنطلاقا من عبارته تلك أقول لكم تتعذر لدينا المعرفة ولا يمكننا إلا أن نعرب حينها إلا عن أماني وتصورات.
قلت قبل أن أقرأ له:
ما من عقد إجتماعي إلا وله أصل في رغبة. ذلك ما يظهر واضحا عند تحليل أي عقد إجتماعي. فلابد من وجود راغب سعى لوجود عقد ما ومحاولة إلزام الآخرين بوجوده. و من ثم راغب في إلزام الآخرين بوجود مقتضى العقد. ليعيشوا سويا دون مشاكل أو بمشاكل تبعا لما يرتئيه. فهو شكل يسعى للتخلص من المشكل قبل حدوثه أو مواجهته أو يسعى إلى حدوثه. فالعقد في ذاته كشكل تنظيمي هو الرغبة في وجود دولة لأي هدف كان، إن البشرلا يملكون كلهم نفس قدراتك الدفاعية وأسئلتك الوجودية و محاولة إقناع أحدهم بقضية صحيحة من خلال كامل أسبابك هو أمر صعب وكثيرا هو ما غير مجدي. فالبشر يمكنهم الإقتناع بقضية ما من خلال أسباب تراها أنت تافهة ولا تستحق، ولكنك تخش مواجهة اقتناعهم هذا بتلك الأسباب إن أظهرها غيرك فتجد نفسك رهين الغبن و الندم النفسي. ليس الأمر أكثر من إصابة هدف بطريقة أكثر براعة ولكن في كل الأحوال تم تسجيل الهدف، و إن لم يكن له نفس البريق و اللمعان الذي كنت تريده. و إن أتى من بعدك من استطاع تسجيل الهدف بالطريقة التي كنت تريدها فحينها ستقع تحت دائرة لوم نفسك و تتمنى لو كنت فعلت أنت ذلك.
إن القضية أشبه بقضية الغش التجاري. فعندما تبيع سلعة ما لأحدهم فأنت حقيقة لا تذكر كل مميزاتها و عيوبها بل إن من مميزاتها و عيوبها ما خفي عن صانعها ابتداءا فكيف بك و أنت البائع التجاري. إن الفرق بين البيع العلمي و البيع التجاري والترويج كالفرق بين الشراء من المصنع والشراء من المتجر والإطلاع عن ورقة ترويجية لمنتج توزع في الشوارع ومحطات المترو.
فلا يمكن لموزع الأوراق في المترو أن يجهد نفسه في العملية الترويجية بأكثر من توزيع الإعلانات المطبوعة. بل يكاد لا يعرف ما الموجود في المطبوعات التي يوزعها ولا يعنيه أمرها ربحت أم خسرت إن كان دوره فقط يتوقف عند التوزيع. وعندما يفاجئنا موزع للمطبوعات بشرح واف عن بضاعته ولتكن أجهزة حواسيب مثلا فحينها سنعتقد أنه التاجر الأصلي أو أن التجارة تخصه فعلا، و حين يندفع في الشرح حتى يصل إلى أدق عمليات الحاسوب وصفا و تمييزا فسنظن أنه على دراية بصناعة الحواسيب، وحينها نسأل كيف لواحد بكل هذه الخبرة ألا يكون في مكانه في المصنع؛ ويعمل موزعا للإعلانات عن منتوجاتها . سنشعر بالأسى لأجله، و حقيقة سنشعر بالإرتباك ولن نحصل على شعور جيد تجاهه في النهاية، بل قد يصل الأمر إلى اتهامه ببراعة النصب و الإحتيال، أو أنه مجرد فاشل يستعرض معلوماته المعرفية حيث لا ينبغي له العرض.
إن اتخاذ المرء دورا ليس يمثله حقيقة يعتمد على ظروف مكانية وزمانية، ولا يمكن له كسر هذه الحدود المكانية الزمانية بسهولة، وإن فعل ماذا سيكسب موزعنا العلامة من خلال شرحه مكونات الحواسيب وكيف تعمل إلا التهكم و السخرية. طالما ما من عرف إجتماعي لديه ذاكرة عرضية تجاه هذا الأمر. بل إن تكرار هذا الحادث في المجتمع على مرأى الناس ومسامعهم سيجعل هذا الموزع واحدا من زمرة الدجالين الذين لا عمل لهم حقيقة سوى التوزيع بهذه الطريقة. فكل ما سيتداركه العقل الإجتماعي أن هذه طريقة جديدة استخدمها هؤلاء الموزعون لترويج أوراقهم أكثر.
وكلما رأى الناس واحدا منهم اتهموه بأنه واحد من الدجالين بناءا على الذاكرة العرضية والتي أثبتت التجربة والذاكرة التقدمية أن هؤلاء لا يصلون إلى مكان وظيفي أبعد من حيث بدأوا، بل هم كذلك طوال الوقت فقط موزعون للإعلانات. فلا توجد أي مشاركة وجدانية تحفيزية تجاههم سواء إيجابية أو سلبية.
فيكفي لإقناع طفل بشراء قطعة من الحلوى بقولنا أنها لذيذة.لذيذة جدا وستجعلك قويا ذكيا، هذا هو أقصى ما يمكن أن نقدمه له صادقين. لكن ذلك لا ينفع مع رجل اعتاد تذوق أنواع بعينها من الحلوى فوجب علينا حينها أن نذكر له مكوناتها التقليدية. حتى إذا وصلنا إلى رجل يريد شراء المصنع الذي يصنع هذه الحلوى فلابد أن يكون على دراية ما بكل المكونات التي سيشتريها وسيدفع فيها المال لصنع هذه الحلوى. على غير مكتب الصحة مثلا الذي سيهتم بكل مكونات هذه الحلوى من حيث تأثيرها على صحة من يأكلها وحينها سيقوم بتحليل مكوناتها إلى عناصرها وموادها المعملية التي لا تخص مباشرة الطفل الصغير الذي يحب تناولها إلا من حيث مدى خطورتها أو نفعها.
فاطلاع مريض القلب على كافة اجراءات عملية ستجرى له لا تعني أنه صار جراحا للقلب، أو أن لديه المعرفة الكافية ليقوم من بعدها ليمارس عملا جديدا كجراح قلب.
إن طرح أسئلة لم يسألها المحاور من ثم إجابته عليها من باب إعلامه بكل جوانب القضية هو أمر لابد أن تكون له شروط معرفية ألا يصل المحاور إلى تلمس جوانب ما في القضية لا يفهمها ويحال من مهتم بها إلا شاك بها رافضا لها متوجسا منها جراء عدم فهمه لأسئلة وأجوبة ما كان يعلم أنها تخص القضية من الأساس.
عندما ينقلب التعريف إلى ترويع و ينقلب الجذب إلى صد . كما أن من خفايا الحوار ما لا يجب الخوض فيه لمعلومية الطرفين حاله ما لم يكن هناك داع لذلك. و هذا نلتمسه جيدا كمثال في القصائد الشعرية مثلا. ففي وسط قصيدة رومانسية تصف الحبيبة مثلا نجد الشاعر قد ذكر أمرا معلوما للجميع غير أنه خارج عن دور القصيدة الشعوري و إن لم يخالف دورها الوصفي.
كما أن المخاطب إن كان الناس مستخدمو اللغة أو اللغة نفسها فهناك فرق. فإحالة النص إلى خطاب لغوي للغة نفسها من ثم إلى مستخدميها فهذه وساطة لابد أن يكون لها هدف معلوم . فلا ينبغي مثلا أن يخطب رجل في جماعة من الناس ليعرفهم حقوقهم الإجتماعية مستخدما ألفاظا ومصطلحات قانونية تحتاج إلى خبراء قانونيين بل يكفيه التنويه عنها بألفاظ عادية . على عكس الحوار بين رجل قانون وآخر مثله بينهم تقارب معرفي معلوم.
فالعلاقات الشعورية كذلك لا تخرج عن هذا الإطار المعرفي فما يمكن إحتسابه مروءة كاملة عند بعض الناس لن يعدو كونه فعلا غير مفهوم أصلا عند آخرين، بل قد يحال في تصورهم إلى تصرف عبثي غير مرغوب فيه.
حينها سيضطر المرء إلى شرح كافة أقواله وأفعاله لمجتمعه ليبين لهم أنه يستند في تعامله معهم على قواعد أخلاقية مجيدة، و أنه ليس نتاج نظام غير معلوم الدوافع والعواقب، وليكن لمعرفة ما يجب عليه من التزامات وما لا يجب. فهي الرغبة الأصيلة في وجود نظام دون تحديد ماهية النظام. إن البشر محكومون بوجود أجسامهم التي لها شكل وحدود و متطلبات أصيلة تبعا للعيش المشهور. فوجود الجسم وحده والقيام بتغذيته ليستمر تبعا لرؤية بدائية من الممكن أن تخول للرائي أن من الممكن للإنسان أن يعيش طوال حياته واقفا أو ماشيا. إن الوقوف إلى الأبد أو الجلوس إلى الأبد قد يبدو للرائي الأول ممكنا مادام مقياس الحياة عنده حركة التنفس في الإنسان. ( الترقي الشعوري) فإذا عُلم أن الحياة الطبيعية تتطلب أكثر من التنفس مقياسا للوجود الصحيح. حينها يكن النظر في آلية هذا الموجود ككل وما الذي يمكنه فعله لنضمن له فعله متى أراد دون منع. إن دراسة إنسان منفردا في بيئة ما تجعله موضوعا في غاية الأهمية. فما الذي يمكن لهذا المخلوق فعله. و ليكن التصور أن هذا المخلوق قادر على الإتيان بكل فعل. إنه يستطيع المشي والجري و القفز و مد اليد والرجل ويستطيع التهام الأشياء و إخراجها في صور أخرى. كذلك يمكنه حمل الأشياء ووضعها كذلك يخرج أصواتا. فهل كل هذه الحركات هي من أسس حياته و ما هي البيئة التي يجب أن يكون فيها بداهة ليأتي بكل هذه الحياة. إن القول بأن هناك متطلبات أساسية و أخرى غيرها يجعل من إمكانية تحديد وجوده ممكنا. و أنه لو ما فتح فمه فلن نسمع صوته و أنه لو تقيد بسقف فوق رأسه فلن يقفز. حتى ينزل ثانيا رجليه ليقفز حتى يجلس القرفصاء ليقفز . وينزل السقف حتى يتمدد على ظهره أو بطنه ليقفز كالدودة. فإذا أحاطت بجسمه المرئي الحدود من كل اتجاه سكن. فإذا ما استطعنا حصار كل حركة في لم يعد للحركة مرة أخرى حتى لو أزلنا عنه كل حصار. لقد مات. فهل كان ينبغي تركه حرا بكامله ليحيا أم وجب ترك بعضه حرا. فما هي أقصى حدود لحصار حركة جسمية إنسانية، ليحيا معها الإنسان دون أن نتدخل في الإبقاء عليه. فهذا المخلوق يحتاج ليأكل وييشرب. حتى الآن. ولا علم باحتياجاته الأخرى. فهل هناك حركات جسمية لا تظهر إلا بمراقبته لآلاف السنين. كالنجوم مثلا التي لا يمكن رصدها كاملة في ليلة أو حتى عشرة آلاف ليلة. و هل هناك حرية فيه لا مرئية تأثرت من حيث لا نعلم بحصار بعض حركته الجسمية. إن البشرلا يملكون كلهم نفس قدراتك الدفاعية وأسئلتك الوجودية و محاولة إقناع أحدهم بقضية صحيحة من خلال كامل أسبابك هو أمر صعب و كثيرا هو ما غير مجدي. فالبشر يمكنهم الإقتناع بقضية ما من خلال أسباب تراها أنت تافهة ولا تستحق ولكنك تخش مواجهة اقتناعهم هذا بتلك الأسباب إن أظهرها غيرك فتجد نفسك رهين الغبن و الندم النفسي. ليس الأمر أكثر من إصابة هدف بطريقة أكثر براعة ولكن في كل الأحوال تم تسجيل الهدف و إن لم يكن له نفس البريق و اللمعان الذي كنت تريده. و إن أتى من بعدك من استطاع تسجيل الهدف بالطريقة التي كنت تريدها فحينها ستقع تحت دائرة لوم نفسك و تتمنى لو كنت فعلت أنت ذلك.
إن القضية أشبه بقضية الغش التجاري. فعندما تبيع سلعة ما لأحدهم فأنت حقيقة لا تذكر كل مميزاتها و عيوبها بل إن من مميزاتها و عيوبها ما خفي عن صانعها ابتداءا فكيف بك و أنت البائع التجاري. إن الفرق بين البيع العلمي و البيع التجاري و الترويج كالفرق بين الشراء من المصنع والشراء من المتجر والإطلاع عن ورقة ترويجية لمنتج توزع في الشوارع ومحطات المترو.
فلا يمكن لموزع الأوراق في المترو أن يجهد نفسه في العملية الترويجية بأكثر من توزيع الإعلانات المطبوعة. بل يكاد لا يعرف ما الموجود في المطبوعات التي يوزعها ولا يعنيه أمرها ربحت أم خسرت إن كان دوره فقط يتوقف عند التوزيع. وعندما يفاجئنا موزع للمطبوعات بشرح واف عن بضاعته ولتكن أجهزة حواسيب مثلا فحينها سنعتقد أنه التاجر الأصلي أو أن التجارة تخصه فعلا و حين يندفع في الشرح حتى يصل إلى أدق عمليات الحاسوب وصفا و تمييزا فسنظن أنه على دراية بصناعة الحواسيب وحينها نسأل كيف لواحد بكل هذه الخبرة لا يكون في مكانه في المصنع ويعمل موزعا للإعلانات عن منتوجاتها . سنشعر بالأسى لأجله و حقيقة سنشعر بالإرتباك ولن نحصل على شعور جيد تجاهه في النهاية بل قد يصل الأمر إلى اتهامه ببراعة النصب و الإحتيال أو أنه مجرد فاشل يستعرض معلوماته المعرفية حيث لا ينبغي له العرض.
إن اتخاذ المرء دورا ليس يمثله حقيقة يعتمد على ظروف مكانية و زمانية و لا يمكن له كسر هذه الحدود المكانية الزمانية بسهولة و إن فعل ماذا سيكسب موزعنا العلامة من خلال شرحه مكونات الحواسيب وكيف تعمل إلا التهكم و السخرية. طالما ما من عرف إجتماعي لديه ذاكرة عرضية تجاه هذا الأمر. بل إن تكرار هذا الحادث في المجتمع على مرأى الناس ومسامعهم سيجعل هذا الموزع واحدا من زمرة الدجالين الذين لا عمل لهم حقيقة سوى التوزيع بهذه الطريقة. فكل ما سيتداركه العقل الإجتماعي أن هذه طريقة جديدة استخدمها هؤلاء الموزعون لترويج أوراقهم أكثر.
وكلما رأى الناس واحدا منهم اتهموه بأنه واحد من الدجالين بناءا على الذاكرة العرضية والتي أثبتت التجربة والذاكرة التقدمية أن هؤلاء لا يصلون إلى مكان وظيفي أبعد من حيث بدأوا بل هم كذلك طوال الوقت فقط موزعون للإعلانات. فلا توجد أي مشاركة وجدانية تحفيزية تجاههم سواء إيجابية أو سلبية.
فيكفي لإقناع طفل بشراء قطعة من الحلوى بقولنا أنها لذيذة.لذيذة جدا هذا هو أقصى ما يمكن أن نقدمه له صادقين. لكن ذلك لا ينفع مع رجل اعتاد تذوق أنواع بعينها من الحلوى فوجي علينا حينها أن نذكر له مكوناتها التقليدية. حتى إذا وصلنا إلى رجل يريد شراء المصنع الذي يصنع هذه الحلوى فلابد أن يكون على دراية ما بكل المكونات التي سيشتريها وسيدفع فيها المال لصنع هذه الحلوى. على غير مكتب الصحة مثلا الذي سيهتم بكل مكونات هذه الحلوى من حيث تأثيرها على صحة من يأكلها وحينها سيقوم بتحليل مكوناتها إلى عناصرها وموادها المعملية التي لا تخص مباشرة الطفل الصغير الذي يحب تناولها إلا من حيث مدى خطورتها أو نفعها.
فاطلاع مريض القلب على كافة اجراءات عملية ستجرى له لا تعني أنه صار جراحا للقلب أو أن لديه المعرفة الكافية ليقوم من بعدها ليمارس عملا جديدا كجراح قلب.
إن طرح أسئلة لم يسألها المحاور من ثم إجابته عليها من باب إعلامه بكل جوانب القضية هو أمر لابد أن تكون له شروط معرفية ألا يصل المحاور إلى تلمس جوانب ما في القضية لا يفهمها ويحال من مهتم بها إلا شاك بها رافضا لها متوجسا منها جراء عدم فهمه لأسئلة وأجوبة ما كان يعلم أنها تخص القضية من الأساس.
عندما ينقلب التعريف إلى ترويع و ينقلب الجذب إلى صد . كما أن من خفايا الحوار ما لا يجب الخوض فيه لمعلومية الطرفين حاله ما لم يكن هناك داع لذلك. و هذا نلتمسه جيدا كمثال في القصائد الشعرية مثلا. ففي وسط قصيدة رومانسية تصف الحبيبة مثلا نجد الشاعر قد ذكر أمرا معلوما للجميع غير أنه خارج عن دور القصيدة الشعوري و إن لم يخالف دورها الوصفي.
كما أن المخاطب إن كان الناس مستخدمو اللغة أو اللغة نفسها فهناك فرق. فإحالة النص إلى خطاب لغوي للغة نفسها من ثم إلى مستخدميها فهذه وساطة لابد أن يكون لها هدف معلوم . فلا ينبغي مثلا أن يخطب رجل في جماعة من الناس ليعرفهم حقوقهم الإجتماعية مستخدما ألفاظا ومصطلحات قانونية تحتاج إلى خبراء قانونيين بل يكفيه التنويه عنها بألفاظ عادية . على عكس الحوار بين رجل قانون وآخر مثله بينهم تقارب معرفي معلوم.
فالعلاقات الشعورية كذلك لا تخرج عن هذا الإطار المعرفي فما يمكن إحتسابه مروءة كاملة عند بعض الناس لن يعدو كونه فعلا غير مفهوم أصلا عند آخرين بل قد يحال في تصورهم إلى تصرف عبثي غير مرغوب فيه.
حينها سيضطر المرء إلى شرح كافة أقواله وأفعاله لمجتمعه ليبين لهم أنه يستند في تعامله معهم على قواعد أخلاقية مجيدة و أنه ليس نتاج نظام غير معلوم الدوافع والعواقب.
محمد شحاته حسين (يونيو 2018)
وبعد أقول :
إننا لا نعرف كل شيء لنحكم على كل شيء. وإنما أحكامنا بخصوص قضية ما نابعة من علمنا بها حد الكفاية المطلوبة لإصدار حكم ما. وحد الكفاية إن صدق هو قرار مسبق لما ترتب من خبرة وتراكم تجريبي.
إن الأخلاق تاريخيا لا يمكن النظر إليها إلا من خلال ما وصل إلينا من شواهد أثرية، والتي بدورها تحتاج إلى التأكد من صحية قولها. وكل عمل نقوم به بعيدا عن تلك الشواهد الأثرية هو محاولات استنباطية، وهي مسألة لاتنفك عن مجموع أسئلة أخرى، أطرحها بدوري في خلال موضوعنا لأني أراها من صميمه.متى بدأ خلق الإنسان؟ مما خلق؟ متى خلق؟ هل الأخلاق تختص بالكينونة الإنسانية دون غيرها؟ بمعنى أليس للحجارة أخلاق مثلا؟ هل ينتهي الخلق الإنساني بموت الإنسان؟
أما عن الفرضيات الممكنة لتفهم الأخلاق، فأقول هل الأخلاق مكتسبة؟ أم نتاج تلقي؟ أم نتاج محاكاة وتوافق مع الوجود؟ هل للأخلاق سلوك تطوري من حيث القدرة على الإكتساب؟ يمكنني أن أقول هل توقفت الموجودات عن إرسال إشارات وجودية واضحة يتعلمها الإنسان على سبيل الأخلاق، فإذ ندرك أن هذه الإشارات كانت قوية في زمن ما أو بطريقة متغيرة من ثم تقوى وتضعف تبعا لظروف لم نعرفها بعد؟ أم أن الناس أنفسهم لديهم قدرات متفاوتة تجاه التجاوب مع هذه الإشارات المفترضة الوجود؟
إن السلوك هو الأخلاق، وإن كان الإنسان استطاع ظاهريا تفهم النية والتفكير الصامت بل وقدرته على الإتيان بأفعال لا يحب أن يفعلها. فإننا نتعامل مع مفاهيم تخص السلوك بالدرجة الأولى الفعل ورد الفعل، وأرى أن هذه الثنائية هي التي يجب أن تكون المدخل لتفهم البدايات الوجودية للأخلاق.
يمكن أن أتسيد الموضوع بطرح أفكار مثيرة جالبة للخيال كالقول بأن الأخلاق هي حزمة من الأوامر الثابتة أوجدها نظام، كذا يمكنني تصور آلاف الدوافع الخيالية وأخرى قريبة من منطقنا العام. يمكن أن أقول أن هناك نظام ما أوجد عدة موجودات وجعل لكل صنف منها سلوكا مختلفا بحيث تتوافق هذه السلوكيات أو تختلف تبعا لما يريده، وقد يخرج الأمر عن سيطرته. وأن نمثل التضحية التي يقوم بها أحدهم مثلا حين لا يريد قتل من يريد أن يقتله ، أنه تمثل السلوك المطلوب منه، فإذا به لما مات مقتولا، رأى النظام العفو عن كثير من سلوكياته المضادة للسلوك المطلوب منه لقاء صبره على خطأ مسبق في تصميم السلوك لدى النظام نفسه بداية. في حين أنه لو قتل من أراد قتله قبل أن يقتله لنجا وعاش. لكن النظام الأول اخترق مقنعا هذا الإنسان أن لا مشكلة في هذه الحياة القائمة على التحسس المعرفي، فهناك عالم آخر وفيه النظام يسيطرعلى كل شيء بعد إيقاف كافة التفاعلات السلوكية في الزمن الأول، ليقوم بدور العدالة يقتص لمن ظلم ويجازي من أحسن. أو دعنا من كل هذا ونقول بأن النظام لا يقصد مثل هذا الأساس التفسيري بالمرة.
هكذا تصورات لا يمكن أن تنتهي، ولا يمكن الحكم على صحة تصور دون الآخر، وإذ ما التزمنا تفسير السلوك تبعا لتصور ما فذلك مسار يمكن اتخاذه، وبذلك فهو مشروعي فلسفي خالص، قائم على مبدأ (ماذا لو) فكل الأنظمة الفلسفية في نظري التي تختص بالإجابة على هكذا نوع من الأسئلة الغيبية هي أنظمة قائمة على فرضيات ومسلمات مسبقة، وكلها في النهاية يمكنني أن أرجعها إلى كلمة (ماذا لو). فهي الوصف الذي أراه يليق لكل العملية التفلسفية عبر التاريخ المعلوم منه لدينا. إن الأمر يشبه كبوجود إله من ثم محاولة تفسير تصرفاته. ونصر على تحاشي تصور( لقد صنع كما يعلم ويريد، وإن محاولة تفسير تصرفاته بمنهج السببية هو يليق بالموجودات بينها وبين بعضها، لكنه لا يليق بدوافعه وتصرفاته هو...) وهكذا كثير من التصورات التي تمثل في مجملها مشاريع دينية شائعة. مع محاولة الفلسفة أن تبدو مغايرة للدين، تماما كالأيدلوجيا. وهذه الثلاثية (الدين والإيدلوجيا والفلسفة) لا يمكنني إيجاد حد واضح بينها، فهي في رأيي ومن خلال شتى قراءاتي وجدت أن تدل على مفهوم واحد. وربما اختصت كل منها بالوجود داخل نسق موضوعي بعينه. إلا أنه حين نجمع بينهما محاولين إيجاد الفوارق فيما بينها فهذا أمر أراه عبثا وإن كان يمكن الجدل حوله كثيرا.
وإنه من السعادة أن تكون لدي القدرة على إيجاد تأصيل لكلمات مثل الطيب والشرير والخير والشر، إلا أنني أرى أنها لا تتميز عن بقية اللغة، وإن تاريخ اللغة لا يعطي خصوصية لهذه الكلمات، وليس كونها موضوعنا يخول لنا أن نقول أن لها نشأة خاصة. فكل كلمة عندي لها تاريخها ونشأتها المعتبرة. ولا يمكن دراسة كلمة أو كلمتين بعيدا عن المجمل اللغوي الإنساني الكلي.
ولعل مفارقة صاغها نيتشه حول المقاربة الصوتية بين كلمتي (سيء) و( بسيط) ؛schlecht و scglicht هذا في اللغة الألمانية، ولعل هذا أمر يمكن تقبله إن قلنا أن اللغات ليست إعتباطية ويمكن استخدامها كمدخل لدراسة العلاقات بين المفاهيم المختلفة ، لكن هذا المدخل نفسه لا يمكن الثقة به البتة إلا من باب اتخاذه مدخلا لدراسة تطور الإستخدام البشري للغة ودلالات الكلمات، وإلا فإنا عاجزين عن الإمساك بالكلمات الأولى الأصلية وكيف كانت تستخدم. وقبل أن أنتهي من مقالي هذا الذي سأستدركه لأكمل كل ما يمكن أن أقوله حينها حول موضوعنا ، أود القول أن نيشته استخدم توصيفا أخلاقيا لفكر كامل إذ قال ".. رعاعية الفكر الحديث ذات المنشأ الإنجليزي".
فالموضوع كله يدور حول نسبية نظامية كامنة أساسها المقارنة والتفضيل حسب الحاجة، والتي بدورها منفعة، والتي ليست بالضرورة نافعة. فقد يطلب الإنسان ما يؤذيه. ولعلنلي ببساطة لائقة يمكنني التفريق مبدئيا بين الخير والشر والطيب والشرير. أن الطيب هو الذي ينوي فعل الخير، ولا يعني بالضرورة أنه قد نجح في ذلك فقد يفعل الشر اعتقادا منه في ذاته أنه الخير، أما الشرير فقد يفعل الخير وهو يعتقد أنه الشر. ففي النهاية لا يمكن تمثيل الخير والشر إلا نموذجا لا يمكن الخروج من أحكامه . ويكون البحث جيدا إن بحثنا في العلاقة بين الهدف الوجودي للإنسان ومن ثم السلوك الذي رآه مناسبا لتحقيق هذا الهدف. كذا فإن البحث في هذا الأمر معناه بوضوح أن الباحث يؤمن بوجود منظومة سلوكية أولية قابلة للتغير والتطوير ، ولا يعني ذلك أن تغيرها وتطويرها شيء جيد أو سيء.
محمد شحاته حسين
مصر 2021
Comments