أسطورة كتاب تحوت
- محمد شحاته حسين "محمد العريان"
- Dec 11, 2020
- 25 min read

من الأساطير المصرية القديمة
حكاية الساحر "ساتنى" و كتاب تحوت بطل حكايتنا هو الأمير"ساتنى" ابن الملك رمسيس الثانى , الشغوف بالبحث فى المخطوطات القديمة , و الذى عاش قبل الميلاد بحوالى 2744 سنة . فى عصر الدولة الحديثة . تبدأ الحادثة بمشهد دخول الأمير "ساتنى" الى مقبرة قديمة من مقابر مدينة "منف" , و هى مقبرة الأمرر "نفر كا بتاح" , الذى عاش قبل الميلاد بحوالى 2444 سنة فى عصر الدولة القديمة.
أقدم الأمير "ساتنى" على هذه المؤامرة و انتهك حرمة المقبرة , مع أن ذلك يعتبر تصرف مشين عند قدماء المصريين , لأنه سمع من أحد الكهنة أن الأمير "نفركا بتاح" أخفى فيها كتابا مقدسا خطه تحوت بيده . أتى "ساتنى" الى المقبرة بصحبة أخيه "ايناروس" الذى وقف ينتظره أمام الباب . و عند دخوله رأى الأمير "ساتنى" ثالثة توابيت تخص الأمير "نفركا بتاح" و زوجته الأميرة "ايح ويريت" و ابنهما الأمير "مر ايب" . و لكن التوابيت لم تكن تحوى سوى مومياء واحدة فقط هى مومياء الأمير"نفركابتاح" , أما تابوت الزوجة "ايح ويريت" و تابوت الإبن "مر ايب" فهما فارغان لم تكن التوابيت الثالثة هى الأشياء الوحيدة التى تسكن المقبرة , لأن الأميرفوجئ بوجود شبح الأميرة "ايح ويريت" التى بدأت تحكى له قصتها هى و زوجها "نفركا بتاح" مع كتاب تحوت و المصير المؤلم الذى آلت اليه تلك العائلة بسبب ولع الأمير"نفركا بتاح" بكتب الحكمة القديمة و سعيه للحصول على كتاب تحوت المقدس برغم المخاطر و الصعوبات التى تحيط به . و هى بالطبع كانت تحكى القصة لكى تحذر الأمير"ساتنى" من المصير الذى ينتظره و ينتظر أى شخص يحاول الحصول على الكتاب دون موافقة تحوت نفسه . بدأت الأميرة "ايح ويريت" تحكى , و بدأ الأمير"ساتنى" يسمعها دون اهتمام , برغم الشبه الكبير الذى يجمع بين شخصيته و شخصية الأمير"نفركا بتاح" الذى فقد حياته و فقد زوجته و ابنه بسبب الهوس بالحصول على كتاب تحوت . بدأت "ايح ويريت" حكايتها بالكلام عن الحب الذى جمع بينها و بين أخيها الأمير"نفركا بتاح" و عن رغبتها فى الزواج منه . كان مدير القصر الملكى يحب الأميرو الأميرة حبا شديدا و يعلم برغبتهما فى الزواج , فطلبت منه "ايح ويريت" أن يتحدث الى أبيها الملك و يخبره برغبتها فى الزواج من "نفركا بتاح" . فكان رد فعل الملك هو الرفض , لأنه كان ينوى تزويج الأمير"نفركا بتاح" من ابنة أحد النبلاء , و تزويج الأميرة "ايح ويريت" من رجل من النبلاء , و بذلك تتكاثر العائلة و يزيد عدد أفرادها .
بعد مشهد المقبرة تنتقل أحداث القصة للقصر الذى كان يعيش فيه الأمير"نفركا بتاح" و الأميرة "ايح ويريت" , فتعود بنا عجلة الزمن 72 قرن الى الوراء و نسافر معها الى أن نصل لعصر الدولة القديمة . تروى الأمميرة "ايح ويريت" حكايتها لنابش المقبرة الأمير"ساتنى" قائلة :- فى يوم من الأيام قمت بارسال مدير القصر ليخبر أبى برغبتى فى الزواج من "نفركا بتاح" . وقف المرسال بين يدى الملك و أبلغه رسالتى , فثار ذلك وغضب الملك الذى سارع بالرد على مدير القصر قائالا: - لقد أثار كلامك هذا غضبى . اذا كان لى بنتا واحدة و ابنا واحدا , فان العرف يقضى بأن أزوج كلا منهما من عائلة أحد النبلاء لكى يكثر عدد أحفادى . عاد مدير القصر و أخبرنى بحديثه مع الملك فحزن قلبى عندما عرفت برفضه . ثم مرت ساعة و وضعت مائدة الطعام أمام الملك , و أستدعانى أبى لأشاركه المائدة . و لما جلست أمامه لاحظ حزنى و صمتى و أراد أن يشاكسنى لكى أبتسم فبادرنى قائلا : - ما هذه الفكرة الحمقاء التى اقترحها مدير القصر ؟ هل هى فكرتك ؟ فأجبته بحزن مرددة ما قاله لى مدير القصر : - إن العرف يقتضى أن تزوجنى من أحد النبلاء و أن تزوج "نفركا بتاح" من ابنة أحد النبلاء لكى يكثر عدد أحفادك . فنظر لى أبى و ابتسم , و عندها فهمت أن موقفه تغير و أنه أعاد التفكير فى الأمر و وافق أخيرا على رغبتى فى الزواج من حبيبى "نفركا بتاح" . و نادى الملك مدير القصر و أخبره بموافقته و مباركته زواجى من "نفركا بتاح" و أمر بأن أحمل الى بيت زوجى و أن تحمل معى الهدايا من الفضة و الذهب و كل شئ جميل يتمناه قلبى . و أمر أيضا بنقل جزء من حاشية القصر الملكى الى بيتى الجديد . تمت مراسم الزواج و انتقلت الى بيت زوجى و حبيبى "نفركا بتاح" , و عشنا معا فى سعادة . فكل منا يعشق الآخر. و بعد بضعة أشهر بدأت أشعر بأعراض الحمل , و بعد أن تأكدت من ذلك أبلغت الملك فكان فى غاية السعادة لسماعه الخبر و أمر بارسال الهدايا الثمينة الى بيتى . ثم مرت الشهور و حان وقت المخاض , و كان الوليد ولدا , أسميناه "مر ايب" , و هو صاحب هذا التابوت الذى تراه أمامك .
ولد ابنى "مر ايب" صبيا عفيا و كان يتمتع بالذكاء , و قد أرسله زوجى الى بيت الحياة ليتعلم هناك الكتابة المقدسة (الهيروغليفية) . و كان زوجى و حبيبى "نفركا بتاح" مطلعا على أسرار الكتابة المقدسة "الهيروغليفية" , و لم يكن هناك شئ فى الحياة يسعده و يرضى شغفه بالقراءة و البحث فى الماضى سوى السير وسط مقابر مدينة "منف" و قراءة النصوص الهيروغليفية المنقوشة على جدرانها , و قراءة اللوحات الحجرية و غيرها من آثار األجداد . لم يكن هناك أسعد منى أنا و زوجى , و خاصة بعد أن أنجبت ابنى "مر ايب" الذى كبر و التحق بمدرسة بيت الحياة . و لكن هذه السعادة لم تدم . ففى يوم من الأيام ذهب زوجى "نفركا بتاح" لحضور أحد الإحتفالات الكبرى بمعبد بتاح بمدينة "منف" , و أخذ يسير خلفموكب من الكهنة و هم يحملون القارب المقدس . وبينما هو يمارس هوايته المفضلة فى قراءة النصوص الهيروغليفية المدونة على مقاصير ال "نترو" (الكيانات الإلهية) نظر اليه كاهن عجوز و ضحك . فسأله "نفركا بتاح" : - ما الذى يضحكك ؟ أجابه الكاهن العجوز قائائلا : - أنا لاأضحك عليك . أنا فقط أضحك لأنك مشغول بقراءة نصوص لا قيمة لها . اذا كنت ترغب فى قراءة شئ له قيمة حقيقية , فسأدلك على مكان كتاب خطه تحوت بيده حين كان يحيا على الأرض مع غيره من ال "نترو" (الكيانات االلهية) . فى ذلك الكتاب المكنون خط تحوت بيده تعويذتين سحريتين ؛ اذا قرأت الأولى فستمتلك سحر السماء و األرض و ال "دوات" (العالم السفلى) و الجبال و البحار , و يصبح بمقدورك أن تسمع صوت الطيور فى السماء و الزواحف فى باطن األرض , و أن ترى الأسماك فى قاع النهر حتى لو كان عمق الماء و احد و عشرين ذراعا ملكية (حوالى 76 قدم) . و اذا قرأت الثانية فستشهد لحظة تجلى "رع" و تاسوعه فى العالم السماوى , و لحظة تجلى القمر فى الأززل , و تطلع على صورهم التى ظهروا بها فى الزمن الأول , سواء كنت فى هذه الحياة الدنيا أو فى العالم اآلخر . و حين سمع "نفركا بتاح" هذه الكلمات قفز قلبه من الحماس و اشتعلت رغبته فى الوصول الى ذلك الكتاب المكنون . قال "نفركا بتاح" للكاهن العجوز : - أنا على استعداد لتنفيذ أى شئ تطلبه اذا ساعدتنى فى الوصول الى مكان ذلك المخطوط . فأجابه الكاهن قائلا : - اذا أردت أن أدلك على مكان كتاب تحوت فالمقابل الذى أطلبه هو 744 "دبن" من الفضة الخالصة . هذا هو كل ما أحتاجه لتجهيز مقبرتى و اتمام الإستعداد لجنازتى . استدعى الأمير"نفركا بتاح" أحد الخدم و أمره باحضار 744" دبن" من الفضة و أعطاها للكاهن العجوز . و بعد أن نفذ الأميرما طلبه منه الكاهن العجوز , بدأ الكاهن يصف المكان السرى الذى أخفى فيه تحوت كتابه المقدس .
قال الكاهن : - كتاب تحوت فى مكان سرى لا يخطر على قلب بشر . فهو هناك فى قاع النيل عند مدينة "قفط" . و هو محفوظ داخل صندوق من الحديد , بداخله صندوق من البرونز , بداخله صندوق من الخشب , بداخله صندوق من العاج , بداخله صندوق من الفضة , بداخله صندوق من الذهب . و لكن الكتاب لا يرقد هكذا فى صناديقه بدون حراسه , فهناك جيش من الحيات و العقارب و الزواحف الخطرة يحيط بالصناديق من كل جانب . أما الصندوق الحديد الخارجى فيلتف حوله ثعبان لا يموت و لايمكن قتله بالطرق المعتادة . حين سمع الأمير"نفركا بتاح" ذلك من الكاهن دارت رأسه و غادر المعبد فورا و عاد الى البيت و روى لى كل شئ بالتفصيل و أخبرنى أنه ينوى الذهاب الى مدينة "قفط" بالصعيد ليبحث هناك عن كتاب تحوت فى المكان الذى وصفه الكاهن العجوز . و قد راودنى القلق لسماع ذلك من زوجى و دعوت أن يلعن آمون ذلك الكاهن الذى يدفع زوجى فى طريق مجهول محفوف بالمخاطر , و حاولت أن أثنى زوجى عن تلك الفكرة و أمنعه من السفر لمدينة "قفط" , و لكنه لم يستمع الى توسلاتي له بالتخلى عن ذلك الهوس الذى أصابه . و بدلا من أن يعيد التفكير فى الأمر , ذهب الى الملك و روى له كل شئ , فسأله الملك عما يدور فى باله و ما الذى ينوى فعله بعد أن عرف مكان كتاب تحوت . 28 قال "نفركا بتاح" لأبيه ملك مصر : - كل ما أطلبه منك يا أبى أن تهبنى قارب الصيد الملكى بكل ما فيه من تجهيزات و معدات و طاقم بحارة , و سيصحب معى زوجتى "ايح ويريت" و ابنى "مر ايب" و أسافر من "منؾ" )فى الوجه البحرى( الى "قفط" )فى الصعيد(البحث عن كتاب تحوت فى الموضع الذى وصفه لى الكاهن العجوز و أعود الى "منؾ" و معى الكتاب .
وافق الملك على طلب زوجى و منحه القارب الملكى بكل معداته و بحارته , و بدأنا رحلتنا النيلية فى اتجاه الجنوب الى أن اقتربنا من مدينة "قفط" التى عرؾ كهنتها )كهنة ايزيس( مسبقا بزيارتنا فكانوا فى استقبالنا و على رأسهم كاهن ايزيس األكبر بمعبد "قفط" . أتى الكهنة الستقبال زوجى الأميرو جاءت زوجات الكهنة الستقبالى , و نزلنا من القارب الى الشاطئ , ثم دخلنا معبد ايزيس و حربوقراط )حورس الطفل( , و هناك قام زوجى بتقديم القرابين و حرق البخور فى قدس األقداس و سكب السوائل فى حضرة ايزيس و حربوقراط . و بعد زيارة المعبد انتقلنا الى بيت أعد لنا خصيصا , و كان بيتا جميال و مجهزا بكل وسائل الراحة أمضى زوجى أربعة أيام فى معبد ايزيس يقدم لها الصلوات و القرابين , بينما كانت زوجات الكهنة تحتفلن بى و بزيارتى للمدينة . 29 و فى صباح اليوم الخامس أمر زوجى باحضار كتلة كبيرة من شمع العسل النقى , و صنع قاربا سحريا على متنه طاقم من البحارة , و قرأ عليه تعويذة سحرية فتحول الى قارب حقيقى و نفخ فى تماثيل البحارة و المالحين فدبت فيها الحياة , ثم نقل القارب و مالحيه الى نهر النيل , و وضع قدرا من الرمال فى القارب الملكى الذى أبحرنا به من "منؾ" الى "قفط" ثم ربطه بالحبال فى مإخرة القارب السحرى الذى صنعه للتو من الشمع . صعد زوجى الى متن القارب المسحور , و بقيت أنا فى انتظاره على شاطئ النهر . ودعنى زوجى , ثم أمر المالحين المسحورين باالبحار الى حيث صناديق تحوت . ---------- ظل البحارة يجدفون ليل نهار , و بعد ثالثة أيام بلؽوا الموضع الذى يرقد فى قاعه الكتاب المكنون داخل صناديقه . ألقى زوجى بضع حفنات من الرمال التى يحملها القارب الملكى فى مياه النيل فانحسرت المياه و ظهر القاع حيث ترقد الصناديق المتداخله تحيط بها الحيات و العقارب و الزواحؾ الخطرة . ألقى "نفركا بتاح" تعويذة سحرية على الزواحؾ فؤصابها بالشلل و لم تعد قادرة على الحركة . ثم توجه الى الثعبان الضخم و صارعه و قتله و لكن الثعبان عاد للحياة مرة أخرى , فصارعه "نفركا بتاح" و قتله مرة ثانية و لكنه عاد للحياة مرة ثانية , فعاد "نفركا بتاح" و صارع الثعبان من جديد . و فى المرة الثالثه شطره الى نصفين و وضع حفنات من الرمال بين الشطرين , و هنا لم يستطع الثعبان العودة للحياه مرة أخرى . 30 ثم تقدم "نفركا بتاح" نحو الصناديق و فتح الصندوق الحديد , ثم الصندوق البرونز , ثم الصندوق الخشب , ثم الصندوق العاج , ثم الصندوق الفضة , ثم الصندوق الذهب , و هناك وجد لفافة بردى فمد يده و أنتزعها من الصندوق و قرأ االبتهال األول المدون بها فسرى فى جسده سحر السماء و األرض و العالم السفلى و الجبال و البحار , و سمع لؽة الطير فى السماء , و لؽة األسماك فى أعماق البحار , و لؽة قطعان الماشية فى الصحارى . ثم قرأ االبتهال الثانى , فاطلع على هيئة "رع" لحظة تجليه فى السماء فى الزمن األول وسط تاسوعه , و وسط القمر و النجوم , و استطاع رؤية الأسماك فى قاع البحار حتى و ان بلغ عمق الماء واحد و عشرين ذراعا ملكية )حوالى 76 قدم( . ثم قرأ "نفركا بتاح" تعويذة سحرية على مياه النهر فعادت كما كانت , و صعد هو على متن القارب المسحور , و أمر المالحين المسحورين أن يبحروا عائدين الى شاطئ مدينة "قفط" . و هناك وجدنى جالسه بانتظاره . و طوال فترة ؼيابه كان القلق يعصؾ بى , و لم أستطع تناول أى طعام أو شراب , و جلست على الشاطئ بال حراك و كؤنى مومياء . و عند رإيتى ل "نفركا بتاح" عائدا عادت لى الحياة مرة أخرى , و طلبت منه أن يدعنى ألقى نظرة على ذلك الكتاب الذى تكبد من أجله كل هذه المشقة . و لما فتحت لفافة البردى بدأت بتالوة االبتهال األول فسرى فى جسدى سحر األرض و السماء و العالم السفلى و الجبال و البحار , و سمعت لؽة الطير فى السماء و لؽة األسماك فى قاع البحار و لؽة قطعان الماشية فى الصحارى , ثم تلوت االبتهال الثانى فاطلعت على هيئة "رع" لحظة تجليه فى السماء فى الزمن األول وسط تاسوعه , 31 و اطلعت على هيئة القمر لحظة ميالده و على تشكيالت النجوم فى قبة السماء , و استطعت رؤية الأسماك فى قاع البحار , حتى و ان بلغ عمق الماء واحد و عشرين ذراعا ملكية )حوالى 76 قدما( . و بعد أن انتهيت من قراءة كتاب تحوت المقدس , أمسك زوجى "نفركا بتاح" بورقة بردى فارؼة و نشرها أمامه و قام بنسخ كل ما هو مدون فى كتاب تحوت , و وضع الورقة فى وعاء من الماء و تركها لتذوب فيه , ثم شرب الماء فعرؾ سر كل كلمة دونها تحوت . ---------- و فى نفس اليوم عدنا الى مدينة "قفط" و ذهبنا لنحتفل معا فى معبد ايزيس و حربوقراط )حورس الطفل( . و بعد أن أنهينا االحتفال صعدنا الى متن القارب الملكى و بدأنا الإبحار فى طريق العودة الى "منف" . و لكن الأمور لم تكن بتلك السهولة , فقد حدث ما لم يكن فى الحسبان , اذ علم تحوت بما حدث و عرف أن هناك يدا بشرية امتدت الى كتابه و أخذته عنوة بدون إذن منه . عرف تحوت أن "نفركا بتاح" هو الذى سرق كتابه , فتوجه على الفور الى "رع" ليشكوه اليه و يؤكد على حقوق الملكية الفكرية للكتاب , و يطالب بمحاكمة "نفركا بتاح" ابن الملك "مرن ايب بتاح" . 32 قال تحوت و هو يترافع أمام "رع" : - إنى أطالب بمحاكمة "نفركا بتاح" ابن الملك "مرن ايب بتاح" على الجريمة التى ارتكبها , فقد اقتحم المكان السرى الذى أخفيت فيه كتابى المكنون و انتهكه , و مد يده و سرق الكتاب من الصناديق التى تحفظه , و قتل حارسى الذى أوكلت اليه مهمة مراقبة كنزى و حفظه . و هنا أصدرت المحكمة التى يرأسها "رع" حكمها بؤن "نفركا بتاح" أصبح من الآن تحت طائلة تحوت يفعل به ما يشاء ؛ هو و زوجته و ابنه . و قامت هيئة المحكمة بارسال شبح مخيف من العالم السفلى , أوكلت اليه مهمة عدم السماح ل "نفر كا بتاح" بالعودة سالما الى مدينة "منف" ؛ ال هو و ال أى من أفراد أسرته . و قد وقف هذا الشبح على مسافة عشرة كيلو مترات من مدينة "قفط" . ---------- ركب زوجى الأمير"نفركا بتاح" القارب الملكى , و ركبنا معه أنا و ابنى "مر ايب" , و بدأنا الإبحار شمالا فى طريق العودة الى بيتنا بمدينة "منف" . و قبل أن نصل لمسافة عشرة كيلو مترات بعيدا عن مدينة "قفط" وقع حادث انفطرت له قلوبنا . فقد خرج ابننا "مر ايب" من تحت المظلة , و وقف على حافة القارب الملكى يتأمل الماء . و فجأة أصابه الدوار و سقط فى النهر . و لما سمع البحارة صوت سقوط جسم فى الماء أخذوا يصيحون بأعلى صوتهم , فتوقف القارب و خرج زوجى "نفركا بتاح" من كابينته و اكتشف اختفاء ابننا "مر ايب" فعرف أنه سقط فى الماء و غرق و صار شهيدا مثل أوزير . 33 كان الماء عميقا فى هذا الموضع من النهر و من الصعب انتشال الجثمان , و لكن زوجى "نفركا بتاح" قرأ تعويذة سحرية , فارتفع جثمان ابننا "مر ايب" من قاع النهر و طفا فوق سطح الماء فانتشلناه و نقلناه الى القارب الملكى حيث جلس زوجى أمام الجثمان و قرأ عليه تعويذة أخرى فعادت اليه ال "كا" )الجسم الأثيرى( لساعة واحدة . و سأله زوجى ما الذى حدث و ما الذى أوقعه فى الماء فؤخبره "مر ايب" بؤن تحوت علم بؤمر سرقة كتابه من مخبئه و أن ما حدث له هو الجزاء الذى أقرته محكمة الهية يرأسها "رع" على الأمير"نفركا بتاح" و أفراد أسرته بسبب هذا السطو . و بعد أن أخبرنا "مر ايب" عن اصابته بالدوار و سقوطه فى النهر ذهبت "كاإه" و عادت للعالم اآلخر الذى جاءت منه , ثم أصدر زوجى الأمير"نفركا بتاح" أمرا للمالحين بالعودة مرة أخرى الى مدينة "قفط" لتحنيط جثمان ابننا "مر ايب " . استدار القارب الملكى و عدنا الى "قفط" و قمنا بتحنيط جثمان "مر ايب" و وضعناه فى صندوق حجرى و دفنناه فى مقابر تقع فى منطقة جبلية على حدود المدينة . و بعد أن انتهينا من مراسم جنازة ابننا الحبيب "مر ايب" أمر زوجى باالستعداد للسفر و العودة الى "منؾ" , لكى نخبر الملك بالحادث الذى وقع لحفيده . و صعدنا جميعا الى متن القارب الملكى و بدأنا االبحار شماال فى اتجاه "منؾ" . و قبل أن يصل القارب لمسافة عشرة كيلو مترات بعيدا عن مدينة "قفط" وقع حادث آخر , و أصابنى ما أصاب ابننا "مر ايب" . فبينما كان القارب يبحر خرجت من تحت المظلة , و وقفت على حافة القارب الملكى و أخذت أتؤمل الماء فؤصابنى الدوار و سقطت فى النهر و ؼرقت و انتقلت روحى للعالم اآلخر . و عندما سمع البحارة صوت سقوط جسم فى الماء صاحوا بؤعلى صوتهم فخرج زوجى "نفركا بتاح" من كابينته و الحظ اختفائى فعرؾ أنى ؼرقت و صرت شهيدة مثل أوزير . كان الماء عميقا فى هذا الموضع من النهر و من الصعب انتشال الجثمان , و لكن زوجى "نفركا بتاح" قرأ تعويذة سحرية فارتفع جثمانى من قاع النهر و طفا فوق سطح الماء فانتشله البحارة و نقلوه الى القارب الملكى حيث جلس زوجى أمام جثمانى و قرأ عليه تعويذة أخرى فعادت "كائى" 34 لساعة واحدة . و سألنى زوجى ما الذى حدث و ما الذى أوقعنى فى النهر , فأخبرته بأن تحوت علم بأمر سرقة كتابه من مخبئه و أن ما حدث لى هو الجزاء الذى أقرته محكمة الهية يرأسها "رع" على الأمير"نفركا بتاح" و أفراد أسرته بسبب هذا السطو . و بعد أن أخبرت زوجى عن اصابتى بالدوار و سقوطى فى الماء ذهبت "كائى" و عادت للعالم اآلخر الذى جاءت منه , ثم أصدر زوجى الأمير"نفركا بتاح" أمرا للمالحين بالعودة مرة أخرى الى مدينة "قفط" لتحنيط جثمانى . فاستدار القارب الملكى و عاد الى "قفط" و قام زوجى بتحنيط جثمانى و وضعه فى صندوق حجرى و دفنه بجوار جثمان ابننا "مر ايب" . --------- و بعد أن انتهى زوجى من مراسم جنازتى أمر بحارته باالستعداد للسفر و العودة الى "منف" . و بدأ البحارة فى التجديؾ فى اتجاه الشمال , بينما قلب زوجى ينفطر حزنا لفقده ابنه و زوجته . بدأ زوجى الحبيب يفكر مرة أخرى ان كان األجدر به العودة مرة أخرى الى مدينة "قفط" أم مواصلة السفر الى "منؾ" ؟ و ماذا عساه أن يخبر والده الملك "مرن ايب بتاح" ؟ ماذا سيجيبه حين يسأله أين ابنتى و حفيدى ؟ أيخبره أنه أخذهم الى حتفهم و أنه السبب فى موتهم بينما هو لا يزال على قيد الحياة ؟ أيقول لأبيه : ها أنذا يا أبى قد عدت الى منف حيا , بينما ابنتك و حفيدك ماتوا و دفنوا هناك فى مدينة "قفط" بالصعيد ؟ و أى حياة تلك التى سيحياها بعد أن فقد زوجته و ابنه ؟ 35 و هنا أمر زوجى "نفركا بتاح" رجاله أن يؤتوه بشريط من الكتان الأبيض الملكى , وضع فيه كتاب تحوت و ربطه حول خصره . و بعد أن انتهى من ربط الكتاب حول جسده خرج من كابينته ليرى الى أين وصل القارب . و قبل أن يبلغ القارب مسافة عشرة كيلوا مترات بعيدا عن مدينة "قفط" , وقؾ الأمير"نفركا بتاح" على حافة القارب تحت ضياء "رع" و نظر الى الماء , فأصابه الدوار و سقط فى النهر . و هنا سمع البحارة صوت سقوط جسم فى الماء و بدأوا فى الصياح و البحث فى كل أنحاء القارب فالحظوا اختفاء الأمير"نفركا بتاح" و عرفوا أنه ؼرق و صار شهيدا مثل أوزير . مات الكاتب البارع و الرجل الحكيم , الأمير"نفركا بتاح" الذى لم يوجد له مثيل . هكذا نطق البحارة عندما اكتشفوا غرق الأميرو أصابهم الإرتباك لوهلة , اذ لم يعرفوا ما هو التصرف الذى يجب عليهم فعله . فقد كان الماء عميقا فى ذلك الموضع و من الصعب انتشال الجثمان . و بعد لحظات من التردد قرروا مواصلة االبحار فى اتجاه مدينة "منؾ" و اخبار الملك بكل ما حدث . ---------- وصل القارب الملكى "منؾ" و هو فارغ من ركابه . رسى القارب فى ميناء المدينة و توجه بحارته مباشرة الى قصر الملك و أخبروه بكل ما حدث . حزن الملك حزنا شديدا حين عرؾ بما حدث لنا و أعلن الحداد فى كل أنحاء مصر , و ارتدى كل أفراد الشعب مالبس الحداد الكتانية البيضاء , و كذلك الملك و كل الكهنة و النبالء و كبار رجال الدولة . خرج الملك و حاشيته من القصر و اتجهوا جميعا للقارب الملكى , و هناك وجدوا جثمان "نفركا بتاح" تحت القارب معلقا بالدفة . فبعد أن ؼرق جسد "نفركا بتاح" تعلق بالدفة و كانت روحه هى التى تقود القارب أثناء ابحاره فى اتجاه "منؾ" الى أن عبر المنطقة التى يحرسها الشبح الذى أرسله تحوت من العالم السفلى ليمنع القارب من االبتعاد عن مدينة "قفط" أكثر من عشرة كيلو مترات . قاد "نفركا بتاح" القارب بمهارة الكاتب البارع الى أن عبر منطقة الخطر و وصل الى بر الأمان . 36 رفع الكهنة جثمان الأمير"نفركا بتاح" من الماء , و عند فحص الجثمان لاحظوا وجود لفافة من البردى مربوطة الى خصره بشريط من الكتان . أمر الملك بفك الشريط و ابعاد الكتاب عن جسد ابنه استعدادا لتحنيطه , و أثناء مراسم التحنيط اقترح الكهنة على الملك اعادة الكتاب و وضعه تحت رأس مومياء الأمير"نفركا بتاح" , لأنه الشئ الذى ضحى من أجله الأميربحياته و حياة زوجته و ابنه . قال الكهنة للملك : - أيها الملك العظيم , الذى يحيا لألبد مثل "رع" , لقد انفطرت قلوبنا لفقدان الأمير"نفركا بتاح" , الكاتب البارع و الرجل الحكيم . أرسل الملك جثمان ابنه الى "البيت الجميل" )بيت التحنيط( , حيث استؽرق تحنيط الجثمان سبعين يوما . و بعد انتهاء مراسم التحنيط وضعت المومياء فى صندوق حجرى و دفنت فى هذه المقبرة . تلك هى قصة زوجى مع كتاب تحوت و العواقب الوخيمة التى جلبها لنا شؽفه باقتناء هذا الكتاب الذى تسعى أنت اآلن للحصول عليه و تقول "أتركونى آخذه" . األجدر بك اآلن بعد سماع هذه القصة أن تترك هذا الكتاب الذى كان سببا فى فقداننا حياتنا على الأررض و انتقالنا للعالم الآخر . فأجابها الأمير"ساتنى" قائلا : - دعينى آخذ الكتاب يا "ايح ويريت" , و اال أخذته عنوة . و هنا ظهر شبح "نفركا بتاح" و قام من التابوت الذى كان يرقد فيه , و توجه نحو "ساتنى" قائال : - أأنت "ساتنى" الذى قصت أمامه زوجتى هذه القصة بكل ما فيها من تفاصيل مفجعة , و برغم ذلك لم يؤخذ منها أى عبرة ؟ ثم أردف "نفركا بتاح" و هو لا يزال يوجه حديثه ل "ساتنى" : - اذا كنت تريد انتزاع الكتاب من موضعه تحت رأس موميائى فعليك أن تنتزعه بقوة ذراع الكاتب البارع . و ذراع الكاتب هو عقله و علمه . اذا أردت الحصول على الكتاب فعليك أن تنازلنى فى لعبة ال "سينيت" . دعنا نضع قواعد اللعبة و نجعل الفوز لمن يحرز 52 نقطة , هيا نبدأ . 37 و هنا وضع "ساتنى" لوح اللعب على األرض و أخذ كل لاعب القطع التى تخصه و بدأ يحرك قطع اللعب فوق اللوح . انتهت الجولة الأولى بفوز الأمير"نفركا بتاح" على الأمير"ساتنى" . و بعد فوزه قرأ "نفركا بتاح" تعويذة , ثم ضرب "ساتنى" فوق رأسه بلوح اللعب فغاص "ساتنى" فى الأررض حتى ركبتيه . و بدأ اللاعبان جولة ثانية انتهت بفوز "نفركا بتاح" الذى كرر ما فعله عند فوزه فى الجولة الأولى , اذ قرأ تعويذة ثم ضرب "ساتنى" فوق رأسه بلوح اللعب فغاص "ساتنى" فى الأررض حتى أعلى فخذيه . ثم بدأ الالعبان جولة ثالثة انتهت أيضا بفوز "نفركا بتاح" الذى كرر ما فعله فى الجولة الأولى و الثانية , اذ قرأ تعويذة ثم ضرب "ساتنى" فوق رأسه بلوح اللعب فغاص "ساتنى" فى الأرض حتى أذنيه , و أصبح مقيدا فى الأرض لا يستطيع الحركة . استغاث "ساتنى" بأخيه "ايناروس" الذى كان يصحبه فى تلك المغامرة , و ناداه قائلا : - أخرج فورا من المقبرة و اذهب الى قصر أبى الملك , و أخبره بكل ما حدث لى , و اطلب منه أن يعطيك تمائم بتاح و كتب السحر الموجودة بمكتبتى و التى أستخدمها فى طقوس الحماية . ---------- خرج "ايناروس" من المقبرة و توجه لقصر الملك و روى له كل شئ . و حين سمع الملك رواية "ايناروس" أجابه قائلا : - خذ تمائم بتاح و كتب السحر الوقائية و اذهب الى "ساتنى" و اعطه اياها ؛ أسرع . و بالفعل أسرع "ايناروس" و عاد للمقبرة , و وضع التمائم حول جسد "ساتنى" الغارق فى الأرض 38 حتى أذنيه , فبدأ الجسد يرتفع فوق سطح الأرض الى أن أصبح حر الحركة . و هنا مد "ساتنى" يده و انتزع كتاب تحوت من موضعه تحت رأس مومياء الأمير"نفركا بتاح" , و أخذه و اتجه نحو باب المقبرة . و بعد أن كانت المقبرة مضيئة بنور كتاب تحوت بدأ النور يغادر المقبرة تدريجيا كلما خطا "ساتنى" خطوة نحو الخارج . كان النور يسير أمام "ساتنى" و الظلمة تسير خلفه , الى أن أظلمت المقبرة تماما بخروج "ساتنى" و فى يده كتاب تحوت بعد أن انتزعه انتزاعا بدون موافقة حارسه الأمير"نفركا بتاح" . أخذت "ايح ويريت" تنتحب و تقول : - جاءت الظلمة و ذهب النور . ذهب ما كان يضئ المقبرة . و لكن "نفركا بتاح" طمؤنها قائال : - لا تحزنى , فسيجعله يعود بالكتاب صاغرا مستسلما , حامال فى يده عصا مشقوقة و فوق رأسه شعلة من النار ) رمز الخزى و الهزيمة ( . خرج "ساتنى" من مقبرة "نفركا بتاح" و أعاد غلقها كما كانت و توجه الى قصر أبيه الملك و أخبره بكل ما حدث و بكل شئ يتعلق بكتاب تحوت . فقال الملك البنه ناصحا اياه : - كن حكيما يا بنى و أعد الكتاب الى مقبرة "نفركا بتاح" , و إلا ستنتقم روحه منك و تجبرك على أن تعيد الكتاب صاغرا مستسلما , حاملا فى يدك عصا مشقوقه و فوق رأسك شعلة من النار . و لكن الأمير"ساتنى" لم يستمع لنصيحة أبيه , فقد استبدت به الرغبة فى اقتناء الكتاب و جعلت منه شغله الشاغل فى الحياة . و لم يعد هناك شئ يبهجه سوى أن ينشر الكتاب أمامه و يرتل ما فيه من كلمات سحرية . و قد فعل ما كان يتمناه , و لكن فرحته لم تدم كثيرا , فقد حدث ما نغص حياته و أوشك أن يقضى عليه . ---------- 39 فى يوم من الأيام كان الأمير"ساتنى" يتجول فى الحدائق القريبة من معبد بتاح بمدينة "منف" , فلمح امرأة لم يرى أجمل منها فى حياته . و كانت ترتدى ثيابا أنيقة و تتزين بالعديد من قطع الحلى الذهبية و تسير وسط موكب من الخدم و الحاشية يصل عددهم الى 52 فرد . و لما وقعت عين الأمير"ساتنى" على هذه المرأة دارت رأسه و ذهب عقله و فقد الإحساس بالمكان و لم يعد يدرى أين هو . نادى الأمير"ساتنى" على خادمه و طلب منه أن يسرع خلف المرأة و يسأل عنها حاشيتها .ذهب الخادم خلفها و اقترب من احدى خادماتها و سألها عن سيدتها . فأجابته الخادمة : هذه سيدتى , و تدعى السيدة "تابوبو" ) و اسمها يعنى المتألقة ( , ابنة كاهن "باستت" ربة "عنخ - تاوى" . و قد جاءت الى "منف" خصيصا لزيارة معبد بتاح . عاد الخادم الى سيده الأمير"ساتنى" و أخبره بما سمعه , فأمره "ساتنى"قائلا : - اذهب و أخبر خادمة السيدة "تابوبو" أنى أنا الأمير"ساتنى - خا ام واست" ابن الملك "أوسرماعت رع" )رمسيس الثانى( أرسلتك اليها و أنى سأعطيها عشرة "دبن" ذهبية اذا وافقت أن تؤتى لتقضى معى ساعة . أما اذا رفضت ما أطلبه منها فسيخطفها و أخفيها فى مكان لا يمكن لأحد على الأرض أن يعرفه أو يصل اليه . 40 عاد الخادم و أسرع خلف حاشية السيدة "تابوبو" و نادى خادمتها و بدأ ينقل لها رسالة الأمير"ساتنى" , و تعمد أن يتحدث بصوت عالى , فسمعته السيدة "تابوبو" و نادته و سألته ما الأمر , فنقل لها ما قاله الأمير"ساتنى" بالحرف . و جاء رد السيدة "تابوبو" على الخادم : - اذهب الى سيدك و أخبره أنى امرأة طاهرة و لست امرأة وضيعة , فأنا كاهنة . اذا أراد سيدك أن يختلى بى عليه أن يؤتى الى بيتى فى حى "بر باستت" , و سيجده مجهزا بكل وسائل الراحة , و سيجدنى طاهرة . فأنا لايجدر بى أن أتصرف كما تتصرف فتيات الشوارع . عاد الخادم الى سيده الأمير"ساتنى" و نقل اليه ما سمعه من السيدة "تابوبو" . فؤمر "ساتنى" بتجهيز قارب و صعد اليه و توجه على الفور الى حى "بر باستت" و عثر على بيت السيدة "تابوبو" , و هو بيت من طابقين يحيط به سور , و تقع فى جهته الشمالية حديقة , و تمتد أمام بوابته مصطبة . سأل "ساتنى" الجيران عن سكان ذلك البيت , فؤجابوه أنه بيت السيدة "تابوبو" . ---------- 41 دخل "ساتنى" من البوابة و سار وسط الحديقة حيث رآه الخدم و أخبروا السيدة "تابوبو" بقدوم زائر , فنزلت من ؼرفتها بالدور العلوى لتستقبله . أمسكت "تابوبو" بيد "ساتنى" حين رأته قادما يلهث وراءها و قالت له : - كم تسعدنى زيارتك لبيت كاهن ”باستت“ ربة "عنخ - تاوى" الذى دخلته الآن , و يسعدنى أكثر أن تمضى فيه بعض الوقت تعالى لنصعد معا الى الطابق العلوى . صعد "ساتنى" درجات السلم مع السيدة "تابوبو" فوجد الطابق العلوى نظيفا و مفروشا بقطع من األثاث الثمين المرصع بقطع من أحجار الالزورد و الفيروز . و فى الأركان وضعت العديد من الأسرة المغطاة بمفارش من الكتان الملكى الناعم . و فوق الموائد وضعت أكواب من الذهب بؤعداد كبيرة . ملأت السيدة "تابوبو" كأسا ذهبية بالنبيذ و مدت يدها اليه قائلة : تفضل و تناول من الطعام و الشراب كما تحب و تشتهى . فأجابها "ساتنى" : - ليس لى أى رغبة فى الطعام أو الشراب . و ضعت السيدة "تابوبو" قدرا من البخور فى المبخرة , ففاحت رائحته العطرة فى أرجاء المكان . و بين يدى الأمير"ساتنى" وضعت "تابوبو" أوانى مليئة بالزيوت و الدهانات العطرية التى لا يضاهيها فى جودتها سوى الزيوت و الدهانات العطرية الملكية . دارت رأس الأمير"ساتنى" من النشوة و سحرته هذه المرأة التى لم يرى أجمل منها فى حياته . و هنا لم يتمالك "ساتنى" نفسه و قال : هلمى يا "تابوبو" , دعينا نطفئ الشوق و ننهى ما جئنا الى هنا من أجله . فتغيرت ملامح "تابوبو" و تحولت الى قطة شرسة , و وبخته قائلة : - عد الى بيتك , فأنا امرأة طاهرة و لست امرأة وضيعة . اذا أردت أن تختلى بى , عليك أولا أن توقع عقد زواجك منى و أن تقدم لى هدية و هى أن تتنازل لى عن كل ثروتك ؛ على أن يكون ذلك مسجل بوثيقة رسمية تحصر كل ممتلكاتك . 42 رد عليها الأمير"ساتنى" قائال : - فليستدعى الكاتب العداد وثيقة تنازلى عن ممتلكاتى . و فى لمح البصر كان الكاتب موجودا فى بيت السيدة "تابوبو" , و بدأ فى تدوين عقد الزواج الذى يتضمن تنازل الأمير"ساتنى" عن كل ممتلكاته . و لم تمض لحظات على كتابة العقد حتى صاح الخدم على الأمير"ساتنى" و أخبروه أن أبناءه قد أتوا , و أنهم ينتظرونه فى الطابق الأررضى . أخذ "ساتنى" يفكر فيما سيقوله لابنائه الذين ينتظرونه , و لكنه أصيب بالذهول قبل أن ينطق بكلمة . ففى تلك اللحظة كانت "تابوبو" قد قامت و ارتدت ثوبا من الكتان الملكى الناعم الشفاف , و رأى "ساتنى" مفاتنها فدارت رأسه و تضاعفت رغبته أكثر من قبل و نسى أبناءه , و نسى نفسه , و لم يعد هناك شئ يشؽله سوى أن يختلى ب "تابوبو" . لم يتمالك "ساتنى" نفسه فقال : هلمى يا "تابوبو" , دعينا نطفئ الشوق و ننهى ما جئنا الى هنا من أجله . فتؽيرت مالمح "تابوبو" و تحولت الى قطة شرسة , و وبخته قائلة : عد الى بيتك , فأنا امرأة طاهرة و لست امرأة وضيعة . اذا أردت أن تختلى بى عليك أوال أن تكمل اجراءات نقل ممتلكاتك لى بأن تجعل أبناءك يوقعون على وثيقة التنازل حتى لا ينازعونى هذه الممتلكات أمام القضاء . فأمر "ساتنى" بأن يحضروا أبناءه و جعلهم يوقعون على وثيقة التنازل عن كل ممتلكاته للسيدة "تابوبو" . و بعد أن انتهوا من ذلك أعادهم "ساتنى" للطابق الأرضى , و قال : هلمى يا "تابوبو" , دعينا نطفئ الشوق و ننهى ما جئنا الى هنا من أجله . فتغيرت ملامح "تابوبو" و تحولت الى قطة شرسة , و وبخته قائلة : - عد الى بيتك , فأنا امرأة طاهرة و لست امرأة وضيعة . اذا أردت أن تختلى بى , عليك أولا أن تقتل أبناءك حتى لا يطالبوا باسترداد ممتلكاتك . فوافق "ساتنى" , و أباح لها أن تفعل بأبنائه ما تشاء . و هنا أمرت "تابوبو" بقتل أبناء "ساتنى" أمام عينه , اذ قام الخدم بالقائهم من النافذة لكلاب الصيد 43 المتوحشة , بينما هو جالس مع "تابوبو" يشرب النبيذ و يستمع لصوت كالب الصيد و القطط المتوحشة و هى تنهش أجساد أبنائه . و بعد أن أنهت الكالب و القطط المتوحشه مهمتها , توجه الأمير"ساتنى" الى "تابوبو" قائلا : - هلمى يا "تابوبو" , دعينا نطفئ الشوق و ننهى ما جئنا الى هنا من أجله . فقد نفذت كل طلباتك . أجابته "تابوبو" قائلة : - هلم , اصعد فوق هذا السرير . و رقد "ساتنى" فوق سرير من العاج و الأبنوس لا تقل قيمته عن قيمة الذهب , و أوشك حلمه أن يتحقق . رقدت "تابوبو" بجواره , و مد "ساتنى" يده ليلمسها ففتحت فمها عن آخره و صرخت صرخة مفزعة . و هنا فقد "ساتنى" وعيه و أصابه الدوار , و عندما استيقظ وجد نفسه ممددا على الأرض عاريا تماما , و فى حالة مزرية , و قد اختفى بيت السيدة "تابوبو" . ---------- لمح "ساتنى" موكب أحد النبلاء قادما نحوه من بعيد . و حين اقترب الموكب أكثر اكتشف "ساتنى" أن الرجل النبيل يرتدى ملابس الملك , فاطمأن "ساتنى" عند رؤية والده , و حاول أن يرفع جسده من على الأرض , و لكنه عاد و تذكر أنه عارى تماما , فمنعه الخزى و العار من القيام . دنا الملك من "ساتنى" و قال له غاضبا : ما الذى أوصلك الى هذه الحالة يا "ساتنى" ؟ بالتأكيد "نفركا بتاح" هو الذى فعل بك ذلك . عد الى بيتك فى "منؾ" , فؤبناإك فى انتظارك هناك . رد عليه "ساتنى" قائال : - و لكن كيؾ أعود الى "منؾ" و أنا بهذه الحالة , بدون أى ملابس ؟ كان أحد الخدم فى موكب الملك يحمل ثوبا , فأمر الملك أن يكسى الأميربذلك الثوب . و قال الملك البنه : - عد الى منؾ يا "ساتنى" فأبناؤك على قيد الحياة , و هم ينتظرونك هناك فى البيت . عاد "ساتنى" الى منؾ و وجد أبناءه أحياء , و أخذهم باألحضان . 44 و بعد أن اطمؤن "ساتنى" على أبنائه سأله الملك عن الحالة التى كان عليها حين عثر عليه , و كيف وصل اليها , و هل كانت نتيجة سكر أو افراط فى الشراب ! فروى له "ساتنى" حكايته مع السيدة "تابوبو" . قال الملك : يا بنى , لقد فعلت كل ما بوسعى من قبل و نصحتك و نبهتك الى أن "نفركا بتاح" سينتقم منك اذا لم تعد كتاب تحوت الى المكان الذى انتزعته منه , و لكنك لم تستمع لنصيحتى حتى هذه اللحظة . عليك الآن أن تعيد الكتاب ل "نفركا بتاح" صاغرا مستسلما , حاملا فى يدك عصا مشقوقة , و فوق رأسك شعلة من النار . و بالفعل قام "ساتنى" من مجلس الملك و أخذ فى يده عصا مشقوقة و حمل فوق رأسه شعلة من النار و توجه لمقبرة "نفركا بتاح" صاغرا لكى يعيد كتاب تحوت الى المكان الذى انتزعه منه . و حين فتح "ساتنى" باب المقبرة كان شبح السيدة "ايح ويريت" هو أول من استقبله , كما حدث عند زيارته األولى للمقبرة . قال شبح السيدة "ايح ويريت" للأمير "ساتنى" : أتعلم أيها الأمير"ساتنى" من الذى أنقذك و أعادك مرة أخرى الى هنا سالما ؟ انه بتاح , العظيم . 45 و فى تلك اللحظة سمع "ساتنى" صوت شبح الأمير"نفركا بتاح" يقول ضاحكا : - أليس هذا ما قلته أنا من قبل ؟ قام "ساتنى" بالقاء التحية على روح الأمير"نفركا بتاح" و أعاد كتاب تحوت الى موضعه داخل تابوته , فعاد النور و أضاء المقبرة و كأنه الشمس التى تبدد ظلمات الكون . ردت روح الأمير"نفركا بتاح" التحية بحرارة , و كذلك فعلت روح زوجته األميرة "ايح ويريت" . قال "ساتنى" : - هل هناك شئ يمكننى أن أفعله من أجلك أيها الأمير"نفركا بتاح" ؟ فأجابه "نفركا بتاح" : - أنت تعلم يا "ساتنى" أن جثمان زوجتى "ايح ويريت" و ابنى "مر ايب" قد دفنا هناك فى مدينة "قفط" , بينما دفنت موميائى هنا فى "منؾ" . و قد استطعت استحضار كاواتهم )أجسامهم الأثيرية( هنا فى مقبرتى بما أوتيت من علم و مهارة الكاتب البارع . و لكن لن يهدأ لى بال حتى تجمعنا مقبرة واحدة ترقد فيها المومياوات الثالثة جنبا الى جنب . لذلك أرجو أن تعدنى بأن تبذل كل ما فى وسعك كأمير و ابن ملك و تحضر مومياوات زوجتى و ابنى من مدينة "قفط" لكى تدفن معى هنا فى "منف" . فوعده الأمير"ساتنى" بذلك و خرج من المقبرة و ذهب الى قصر أبيه الملك "أوسر ماعت رع" )رمسيس الثانى( و قص عليه كل ما دار بينه و بين الأمير"نفركا بتاح" بخصوص نقل جثامين الأميرة "ايح ويريت" و ابنها "مر ايب" من مدينة "قفط" بالصعيد الى مدينة "منؾ" بالوجه البحرى فجاء رد فعل الملك مشجعا , و وافق على أن يذهب "ساتنى" الى مدينة "قفط" بالصعيد و يبحث عن جثمان "ايح ويريت" و "مر ايب" و يعيدهما الى مدينة "منؾ" ليتم دفنهما الى جوار جثمان الأمير"نفركا بتاح" . طلب "ساتنى" من أبيه أن يسمح له باستخدام قارب الصيد الملكى و كل ما فيه من معدات و تجهيزات و مالحين للقيام بتلك المهمة , فوافق الملك و منحه القارب الملكى و كل التجهيزات التى يحتاجها "ساتنى" فى هذه الرحلة . ---------- 46 صعد "ساتنى" الى القارب الملكى و بدأ االبحار فى اتجاه الجنوب , الى أن وصل الى مدينة "قفط" بالصعيد . و لدى وصوله كان كهنة معبد ايزيس فى استقباله . و بعد نزوله من القارب الملكى توجه الأمير"ساتنى" مباشرة الى معبد ايزيس و حربوقراط )حورس الطفل( بمدينة "قفط" , و وقف هناك فى قدس الأقداس و قدم القرابين , و حرق البخور و سكب السوائل فى حضرة ايزيس و حربوقراط . و بعد تقديم القرابين فى المعبد توجه "ساتنى" بصحبة كهنة ايزيس الى الجبال التى تقع على حدود مدينة "قفط" للبحث عن جثمان "ايح ويريت" و ابنها "مر ايب" , و أمضوا هناك ثالثة أيام يبحثون وسط اللوحات الحجرية و شواهد القبور التى خطها كتبة بيت الحياة , و يقرأون كل النصوص المدونة على تلك اللوحات فى محاولة للعثور على أى اشارة للمكان الذى دفنت فيه جثامين "ايح ويريت" و ابنها "مر ايب" , و لكنهم لم يصلوا الى شئ . و أثناء ذلك علمت روح "نفركا بتاح" أن الأمير"ساتنى" و من معه بذلوا جهودا كبيرة فى البحث عن الجثامين المفقودة و لكن بحثهم لم يسفر عن شئ . أراد "نفركا بتاح" أن يقدم لهم يد المساعدة بطريق ؼير مباشر , فنهض من بين األموات و اتخذ هيئة كاهن عجوز , و جاء الى "ساتنى" و وقؾ أمامه , و نظر فى عينيه مباشرة . 47 قال "ساتنى" موجها حديثه للكاهن العجوز : - أيها الكاهن , ان مظهرك يدل على أنك عشت سنوات طويلة جدا , فهل تستطيع أن تساعدنا فى معرفة المكان الذى دفنت فيه مومياء السيدة "ايح ويريت" و ابنها "مر ايب" ؟ فرد عليه الكاهن العجوز قائال : - لقد سمعت من أبى , و أبى سمع من جدى , الذى سمع من جده , الذى سمع من جده ) و هكذا الى سابع جد ( أن جثمان "ايح ويريت" و ابنها "مر ايب" قد دفنا فى موضع بجوار الركن الجنوبى من بيت أحد كهنة ايزيس و يدعى "ح- سيسى" . قال "ساتنى" للكاهن العجوز : - ربما أساء اليك الكاهن "حر - سيسى" فأردت أن تنتقم منه بقولك هذا و تجعلنا نهدم بيته بحثا عن الجثامين المفقودة ! أجابه الكاهن العجوز قائالا : - كلا أيها الأمير, و يمكنك أن تتأكد من صدق كلامى بأن تأمر مساعديك بمراقبتى , بينما تبحث أنت فى المكان الذى أرشدتك اليه . و اذا لم تعثر هناك على بؽيتك يمكنك أن تعاقبنى , فأنا لن أهرب . و بدأ الأمير"ساتنى" يبحث فى الموضع الذى وصفه الكاهن العجوز , و أخيرا عثر على مبتغاه بجوار الركن الجنوبى من بيت الكاهن "حر - سيسى" . و بعد استخراج الجثامين قام "ساتنى" بترميم بيت الكاهن "حر - سيسى" و اعادته كما كان على نفقته الخاصة . و أثناء عودة الأمير"ساتنى" من "قفط" الى "منف" على متن القارب الملكى حامال معه جثمان "ايح ويريت" و "مر ايب" أخذ يفكر فى كل ما حدث فى مدينة "قفط" و ظهور الكاهن العجوز فى الوقت المناسب ليساعده فى العثور على الجثامين المفقودة . و هنا أدرك "ساتنى" أن الكاهن العجوز الذى كشف له عن موضع الجثامين ما هو إلا روح الأمير"نفركا بتاح" جاءت لتساعده فى انجاز مهمته . وصل القارب الملكى الى ميناء مدينة "منف" , و أبلغ الملك بوصول ابنه الأمير"ساتنى" بالسالمة و نجاحه فى اتمام مهمته فجاء بنفسه الستقبال الأمير, و شارك فى مراسم اعادة دفن جثمان األميرة "ايح ويريت" و ابنها "مر ايب" فى نفس المقبرة التى دفن فيها زوجها الأمير"نفركا بتاح" . 48 تلك هى القصة الكاملة للأمير "ساتنى - خا ام واست" و كتاب تحوت . نسخت هذه القصة بقلم الكاتب "با شر" فى العام الخامس عشر , فى الشهر الأول من فصل "برت" )الشتاء

محمد شحاته حسين
مصر
2020/12
Comentários